التبويبات الأساسية

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطران رفيق الورشا، أمين سر البطريرك الأب شربل عبيد، في حضور حشد من المؤمنين.

العظة

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "يا معلم، أن أبصر" (مر 51:10)، قال فيها: "1. لما سمع طيما الأعمى، الجالس على قارعة الطريق يستعطي، أن يسوع يمر من هناك، راح يناديه لا باسمه الاجتماعي، يسوع الناصري، بل بإسمه الإيماني، مرددا بأعلى صوته: يا يسوع ابن داود، إرحمني (مر 47:10) هذه الصرخة الايمانية لم تعنِ للجمع المرافق ليسوع سوى الازعاج، أما بالنسبة إلى يسوع فقد سقطت في قلبه، إذ أدرك أن هذا الأعمى العينين كان المبصر الحقيقي بنور الإيمان. فيسوع الناصري بالنسبة إليه هو المسيح ابن داود المنتظر، الحامل رحمة الله للبشر. فلما سأله يسوع: ماذا تريد أن أصنع لك؟ وكان الجمع يتوقع أنه سيطلب منه صدقة، أجاب: يا معلم، أن أبصر. فقال له يسوع: أبصر! إيمانك خلصك (مر10: 51-52).
2. يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونحن في الأحد الأخير من زمن الصوم، السابق لأحد الشعانين وأسبوع الآلام المقدس. وفيه تذكار شفاء الأعمى. وقد شاء الرب يسوع بهذه الآية إعطاءنا العلامة الحسية بأنه نور العالم، كما قال عن نفسه يوما (يو12:8). وأضاف: من يتبعني لا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة (المرجع نفسه). آمن الأعمى بيسوع النور، فالتمس منه النور لعينيه المنطفئتين منذ الولادة. فكان له بحسب إيمانه. إنني أرحب بكم جميعا، ونصلي معا ملتمسين من الرب يسوع أن يشعل في نفوسنا نور الإيمان، لكي نكون مبصرين حقيقيين بنور المحبة في قلوبنا، والحقيقة في عقولنا، والخير في إراداتنا، وحرية أبناء الله في خياراتنا وقراراتنا. نحيي بيننا عائلة المرحومة جانيت فارس الكلاب أرملة المرحوم نايف حنا الراعي وأنسباءها، وقد ودعناها معهم منذ أسبوعين. نصلي لراحة نفسها في الملكوت السماوي وتعزية أسرتها. كما نحيي وفد Open Heaven من مختلف انحاء العالم مع الابوين الفرنسيسكانيين Colomba و Micheal. انها جمعية صلاة وتعليم وشفاء. يزورون لبنان في زيارة تقوية.
3. أظهر الرب يسوع في هذه الآية الإنجيلية أن طيما، أعمى العينين، كان المبصر الحقيقي في داخل نفسه، إذ كان يشاهد بنور الإيمان جمال رحمة الله المتجلية في المسيح ابن داود. ففتح يسوع عينيه ليرى جمال خلق الله. وأظهر أيضا أن ذاك الجمع المرافق كان الأعمى الحقيقي في داخل نفسه. وهذا هو العمى القاتل! العمى الداخلي، وهو مأساة الذين يفقدون الإيمان ومعنى وجودهم والحياة، ويبتعدون عن الله وعن نور كلامه فيتخبطون في ظلمات خطاياهم تجاه الله والناس، وأميالهم ومصالحهم وانحرافاتهم. وهو مأساة الذين يبتعدون عن الكنيسة وتعليمها الذي استودعها إياه الرب يسوع بقوله: من سمع منكم، سمع مني! ومن رفضكم رفضني! ومن رفضني، رفض الذي أرسلني! (لو16:10). وهو مأساة الأزواج الذين، بفقدان بصيرتهم الداخلية، يفقدون معنى سر الزواج المقدس، وعهد الحب الزوجي، والأمانة والاحترام المتبادل، ومسؤولية نقل الحياة البشرية وتربيتها كمعاونين لله الخالق، فينكثون بالوعد - العهد المقطوع أمام الله والكنيسة والمجتمع، سعيا وراء أهوائهم.
4. إن المسؤولين السياسيين المصابين بالعمى الداخلي يتسببون بمأساة الشعب، عندما يتعامون داخليا وخارجيا عن حاجات هذا الشعب المتفاقمة، ولا يرون سوى مصالحهم وحساباتهم، من دون أن تعنيهم الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، أو من دون بذل الجهود اللازمة لمعالجتها. سنة كاملة مرت بالأمس على مؤتمر باريس المعروف ب CEDRE أي المؤتمر الاقتصادي من أجل الانماء والاصلاحات والمشاريع، الذي أقرت فيه الجماعة الدولية تأمين أكثر من 11 مليار دولار أميركي، بين قروض وهبات، لمساعدة لبنان على تمويل مشاريع تهدف إلى إصلاحات عصرية في موازناته وهيكلياته وقطاعاته، وفي طليعتها موازنة 2019، التي لم تر النور بعد، والكهرباء التي نرجو إقرار خطتها أخيرا في جلسة الغد لمجلس الوزراء. هذا الإهمال والتقاعس والتأخير إنما ينال من سمعة لبنان وصدقيته وشفافيته تجاه الاسرة الدولية. وتبقى في أساس هذه الإصلاحات مكافحة الفساد المستشري شرط أن يبدأ من القمة نحو القاعدة، وإيقاف هدر المال العام من كل أبوابه.
5. أجل، هذه هي أبعاد آية شفاء طيما الأعمى، المرتكزة على بصيرته الداخلية الايمانية. لقد أدرك هذا الأعمى أن يسوع، الذي هو نور العالم، قادر أن يعطي النور لعينيه المنطفئتين. وتؤكد هذه الآية أن يسوع نورنا.
هو نورنا بشخصه الذي يكشف لنا سر الإنسان بإنسانيته، وسر الله بألوهيته.
هو نورنا بكلامه الذي ينير العقل والإرادة والقلب والضمير، ويجعلنا خلقا جديدا.
هو نورنا بأفعاله وآياته التي تعلمنا حقائق سامية.
إن نور المسيح ضروروي لحياتنا كضرورة نور الشمس للعين والنظر. يقول الطوباوي أبونا يعقوب حداد الكبوشي: الإيمان هبة من الله، يشبه نجم المجوس، ويقودنا مثلهم إلى يسوع. فلو حاد المجوس عن الطريق السائر فيه النجم الدليل، لضاعوا وما وصلوا إلى الطفل يسوع.
6. وينيرنا المسيح بنور مواهب روحه القدوس السبع: بمواهب الحكمة والفهم والعلم، ينير إيماننا وعقلنا. وبموهبتي المشورة والشجاعة، ينير رجاءنا وإرادتنا. وبموهبتي التقوى ومخافة الله، ينير محبتنا وقلوبنا. اننا نلتمس هذا النور، ونحن نصلي: أيها النور السماوي، إملأ باطن قلوب مؤمنيك، لكي نشفى من عمى القلب والبصيرة، ومن عمى الخطيئة والشر، ومن عمى المصالح والمكاسب الصغيرة على حساب الخير العام، ومن عمى الإهمال للواجب ولنداء المسؤولية. فإذا تحررنا من هذا العمى القاتل، وهدانا نور إيماننا إلى الله والانسان، نستطيع أن نسبح ونعظم من صميم القلب الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

صورة editor2

editor2