ليس من شعب في بلد من بلدان العالم، يُحسد على حياته كما هو حال اللبناني التي لا يرقى الى اي شعب في الكرة الارضية. لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يتقاضى سكانه رواتبهم بالعملة اللبنانية ويشترون بالدولار، فعندما يتوجهون الى اي سوق او محل تجاري يدفعون بالدولار الاميركي او حسب سعر الصرف في السوق السوداء، بمعنى ان راتب اللبناني حتى لو تجاوز المليوني ليرة، فانه يساوي ١٠٠ دولار اميركي او اقل، وهذا المبلغ يعتبر مصروف يوم واحد في كل دول العالم، اما في لبنان فانه راتب شهري لكل الموظفين في حال كانوا محظوظين، لان الاكثرية من المواطنين رواتبهم لا تتجاوز الخمسين دولارا اميركيا، وهو راتب لا يكفي لتسديد فاتورة دواء او صفيحة بنزين واشتراك كهرباء.
حتى الاستشفاء في لبنان بات بالدولار الاميركي، فاينما اتجه اللبنانيون الى اي مركز صحي او مستشفى للمعالجة، فان الكلفة تُحسب حسب سعر صرف الدولار بالسوق السوداء، وكذلك الامر بالنسبة للادوية والفحوصات، مما يعني ان الشعب اللبناني انقسم الى قسمين: قسم يعيش بصرف الدولار، والباقي ليس له الا الدعاء لله كي يجنبه المرض والحاجة الى الدواء والعلاج.
قبل عام ونيف، كان اللبنانيون ينشغلون في فصل الخريف بتحضير مونة الشتاء من تدفئة واغطية وفحم، والبعض الآخر يستعين بالتدفئة المركزية، حسب كل عائلة ووضعها الاجتماعي، اما اليوم فان غالبية المواطنين لن تتوفر في منازلهم وسائل تدفئة، وربما الاستعانة بالاغطية القديمة تلبي الحاجة للدفء، لان اسعار الفحم والغاز وحتى مولدات الكهرباء كلها تدفع بالدولار، فيما راتب اللبناني لا يكفيه لثلاثة ايام.
الى هذه الازمات، ازمة المواصلات التي باتت مشكلة، فسعر صفيحة البنزين تساوي ثلاثة رواتب واحيانا اقل، وحيثما اتجه المواطن يدفع ثلاثين الفا في اليوم الواحد، يعني في الشهر الواحد يحتاج الى تسعمائة الف ليرة شهرية وراتبه اقل من اجرة المواصلات.
فاعليات تساءلت، هل يعقل ان يعيش مواطن في بلد لا يوجد في جيبه، بعد تقاضي راتبه، اموالا لشراء طعامه؟
تجيب هذه الفاعليات بانه فقط في لبنان اصبح المواطن يعيش في المكان والزمان الذي لا يشبه الا تلك الدول المصنفة تحت خط الفقر، بل والتي تعتبر غير صالحة للعيش.
اللبنانيون يعيشون في وطن يعملون فيه في ليل نهار، لكنهم لا يتقاضون بدل تعبهم، ومقولة اعطي العامل حقه قبل ان يجف عرقه بُترت امام منازل الطبقة السياسية، التي اسهمت في اغراق الشعب والبلاد في اتون الحرمان والقهر، واصبح كل مواطن وعائلته يشتهون تناول اللحوم والاسماك والفواكه والالبان والاجبان والحلويات، بينما هذه الطبقة تعاني من تخمة ما توفر لها من اشهى المأكولات، والشعب جائع والاطفال تئن وتبكي من الجوع.
والانكى من ذلك كله، انه كلما فكرت عائلة بالهروب من هذا الجحيم وقررت مغادرة البلاد باتجاه وطن يحتضنه تمنع بحجج غير مقنعة، علما ان المطلوب افساح المجال لرحيل كل عائلة ارتأت المغادرة، علها تنقذ اطفالها من الجوع. ويلاحظ ان نسبة المزمعين على الرحيل والهجرة ترتفع، وهناك اقبال من اهل الشمال خاصة طرابلس على اصدار جوازات سفر بنية الهجرة باي وسيلة تتاح لهم، بعد تضييق الخناق الاقتصادي عليهم.
دموع الاسمر - الديار