تحت عنوان الخيارات الحكومية تضيق.. والمحتجون يحاصرون طريق قصر بعبدا، كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": بدأت الخيارات المطروحة للخروج من الأزمة الحكومية التي ترخي بظلالها القاتمة على لبنان تضيق شيئا فشيئا، خصوصا أن المفاوضات توقفت منذ أيام عند تمسك الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة إختصاصيين من التكنوقراط، مقابل تمسك الوزير جبران باسيل بحكومة تكنوسياسية تتمثل فيها الأحزاب والتيارات الأساسية في البلاد، في وقت ما تزال مقابلة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تتفاعل في الشارع اللبناني الذي تقطعت أوصاله يوم أمس بالاطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات تعبيرا عن الغضب الشعبي الذي أفرز إشكالات عدة بعضها مسلح وبعضها الآخر بين المحتجين والجيش اللبناني.
تشير المعلومات الى أن الرئيس الحريري وافق على تشكيل حكومة تكنوسياسية من دون وجوه إستفزازية قبل نحو عشرة أيام، لكن الوزير باسيل حاول اللعب على هذا الطرح ليضمن وجوده في الحكومة، الأمر الذي أعاد المفاوضات الى المربع الأول، ودفع الحريري تحت ضغط الشارع الى التمسك بحكومة التكنوقراط وربط تكليفه باطلاق يده في تشكيلها ليكون على رأس فريق عمل منسجم قادر على الانتاج، الأمر الذي يرفضه باسيل والثنائي الشيعي.
لا شك في أن كل فريق اليوم بات أسير شروطه، فالحريري لم يعد قادرا على التراجع لأن ذلك من شأنه أن يضعه ضمن خانة رئيس الجمهورية الذي يطالب المحتجون باسقاطه بعدما أظهرت مقابلته التلفزيونية أنه بعيد كل البعد عن الواقع القائم ولم يستطع أن يُحدث أي صدمة إيجابية في صفوف الحراك، أما الوزير باسيل والثنائي الشيعي فيتمسكان بحكومة تكنوسياسية بحجة أن التكنوقراط ستكون من دون أي غطاء سياسي، لكنهما في الوقت نفسه يصران على أن يكون الحريري رئيسا للحكومة، ولم تنفع محاولاتهما في تسريب بعض الأسماء التي يمكن أن تسمى لرئاسة الحكومة في إستدراج الحريري الى تقديم تنازلات، خصوصا أن الأخير بات يدرك أن أي تنازل من هذا النوع، سيؤدي به الى الفشل الحكومي والى الخسارة الشعبية وبالتالي الانتهاء سياسيا.
أمام هذا الواقع، فإن باسيل والثنائي الشيعي لم يعد أمامهما سوى ثلاثة خيارات، فإما القبول بتوجه الحريري نحو تشكيل حكومة تكنوقراط، أو تشكيل حكومة تكنوسياسية برئيس غيره يرضى عنه أو لا يرضى عنه، أو تشكيل حكومة من لون واحد برئيس من قوى 8 آذار وتحمل تبعات ما يمكن أن ينتج عنها.
يبدو واضحا أن ما يعطل المفاوضات اليوم، هو إنتفاضة الشارع التي تجددت إثر المقابلة التلفزيونية لرئيس الجمهورية والتي لم يجد المراقبون حتى الآن تفسيرا لاجرائها، خصوصا أنها أدت الى تأجيج الثورة بدل تهدئتها، ولم تتضمن أية مواقف إيجابية أو حاسمة مما يشهده لبنان، بل على العكس دفعت المحتجين في كل المناطق والذين إشتعل غضبهم على إستشهاد علاء أبو فخر الذي قتل بدم بارد أمام عائلته، الى المطالبة باسقاط الرئيس عون، وهي المرة الثالثة التي يطالب فيها الشعب اللبناني باسقاط رئيس الجمهورية، الأولى في عهد الرئيس بشارة الخوري الذي شهد إضطرابات شعبية دفعت مجلس النواب الى الانقلاب عليه ما أدى الى إستقالته، والثانية خلال عهد الرئيس أميل لحود في إنتفاضة مماثلة غداة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ما لبث أن أطفأها البطريرك الراحل نصرالله صفير حفاظا على مقام رئاسة الجمهورية، في حين أن الأمور قد تزداد تأزما بالنسبة للرئيس ميشال عون خصوصا مع قيام المحتجين أمس بمحاصرة الطريق المؤدي الى قصر بعبدا.
اللافت أن الرئيس عون ما يزال عاجزا بالرغم من إطلالاته الاعلامية الثلاث عن إقناع شعبه بالخروج من الشوارع أو إفساح المجال للسلطة لكي تدرس مطالبه تمهيدا لتنفيذها، ويمكن القول أنه بدأ يغامر بتاريخه السياسي للحفاظ على موقعه، وحماية صهره جبران باسيل الذي يخشى من أن تقضي الثورة على مستقبله السياسي.