تحت عنوان " الحريري يستعدُّ للأسوأ" كتب طوني عيسى في صحيفة "الجمهورية" وقال: يعتقد البعض أنّ الحكومة تترنَّح بقوةٍ، لكنها لن تقع لأنّ لا بديل ممكناً في المدى المنظور. لكن آخرين يعتقدون أنّ الرئيس سعد الحريري قد يسبق الجميع و"يقلب الطاولة". فالكارثة تقترب سريعاً، والحريري يفكِّر: هل يجلس في السراي منتظراً ما سيأتي، أم يخرج سريعاً من المركب قبل الغرق؟
الهاجس الوحيد الذي يعيشه الحريري حالياً هو الانهيار المالي والنقدي. وأساساً، في الصفقة التي جاء بموجبها إلى السراي، قبل 3 سنوات، جرى التقاسم: هو يتعاطى بالاقتصاد والتنمية والمال، ويترك ملفات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية لـ"حزب الله"، مباشرة ومن خلال حلفائه.
إذاً، يجرّب الحريري أن يتجاهل الملفات السياسية ويصبُّ اهتمامه على إبعاد شبح الكارثة الآتية من البوابة الاقتصادية والمالية والنقدية. وعندما أعلن الوزير جبران باسيل عزمه على فتح الخط بين بيروت ودمشق تحت عنوان النازحين، أطلق الحريري موقفاً رافضاً في الشكل لكنه موافق في المضمون.
وفي المبدأ، ليس لرئيس الحكومة أن يطلق العنان لكل وزير كي يأخذ على عاتقه، فردياً، معالجة الملفات التي تعني وزارته، ولاسيما إذا كانت ذات طابع استراتيجي. ومن البديهي أن تتقرّر أي خطوة داخل مجلس الوزراء مجتمعاً، لأنّ انعكاساتها تعني البلد كله.
لكن الرجل يستسيغ سياسة "النأي بالنفس" في الملفات التي "تسبِّب وجع الرأس" لأسباب عدة:
1- يريد إفهام الجميع أنّه لن يخرق تفاهم 2016 من جانبه أياً تكن المبرّرات، و"ظالماً كان أو مظلوماً".
2 - يدرك أنّ ملف النازحين السوريين لا يُعالَج إلّا وفق منظومة تفاهمات ومصالح إقليمية ودولية، ولا ضير في أن يقوم فريق لبناني بالمحاولة من جانبه. فليجرّب ويكتشف. على الأقل، لن يحمّل أحد رئيس الحكومة، ذات يوم، أي مسؤولية عن تعطيل المحاولة.
3 - إنّ استغلال الأسد هذا الانفتاح لاستعادة بعض نفوذه في لبنان وارد. لكن الوصاية السورية الفعلية على لبنان لم تكن قائمة يوماً إلّا على تفاهمات إقليمية ودولية كبرى. ولا مؤشِّر حالياً إلى ما يسمح باستعادتها.
4 - واقعياً، إنّ انفتاح لبنان الرسمي على الأسد يبقى رهن انفتاح العرب، ولاسيما المملكة العربية السعودية، عليه. وهذا الأمر تقرِّره التطورات. فإذا فكّ العرب حصارهم عن دمشق، سيستعيد لبنان تواصله معها تلقائياً.
5 - بين المحورين المتصارعين سياسياً في لبنان: محور "حزب الله" وحلفائه، ومحور خصومه، وجد الحريري أنّ "الأسلم" له هو أن يحافظ على معادلة "عدم انحياز" لا يبرع فيها إلا الساحر:
تطمين المحور الأول بأنّه لن يخرج عن "الصفقة"، وتطمين المحور الثاني بأنّه لن يخرج عن "الثوابت"!
وفي الخضم، ينصرف الحريري لتأدية المهمّة التي تُشكّل هاجساً للجميع: تأجيل حصول الانهيار المالي والنقدي قدر الإمكان. والأحرى هو الاستمرار في "إخفاء" الانهيار الذي وقع فعلاً، من خلال الحُقَن المخدِّرة أو "الكورتيزون". لكن المشكلة هي أنّ أصدقاء الحريري في العالم خذلوه هذه المرّة، وقالوا صراحة للبنانيين: "أوقِفوا الدلع"!
الاستحقاق الأقرب هو الموازنة. وواضح فيها التخبّط ، لا لعدم وجود المخارج والأفكار، بل لرغبة في عدم كشف المستور من الفساد. وبعض النقاش الجاري في مجلس الوزراء للحصول على المال مثير للسخرية. فعبقرية الإصلاح عند أهل السلطة بدأت بالضريبة على "راس النرجيلة" وانتهت بالضريبة على "الواتساب"!
وفي النهاية، يهرب الجميع من المشكلة الحقيقية، أي الفساد الحقيقي. وثمة خياران مطروحان على الحريري حالياً:
الأول، أن يهرب من المسؤولية عن الكارثة المقبلة، فيرمي كل شيء أرضاً ويرحل عن السراي. وهذا يعني خروجه من الصفقة ومن اللعبة السياسية أيضاً، أي العودة إلى ما قبل 2016.
الثاني، أن يحافظ على التزامه الصفقة أياً تكن المبرّرات، لأنّ مصالحه كلها تقتضي ذلك. وفي هذا الحال، سيكون هو أبرز الذين يتحمّلون عواقب السقوط.
بين الخيارين، حتى الآن هو يختار الثاني. والبعض يقول: إنّ بقاءه في الصفقة ليس أمراً اختيارياً. فشركاؤه في الحكم، و"حزب الله" تحديداً لا يروق لهم إطلاقاً أن يتركهم ويبادر هو إلى "قلب الطاولة"… إلّا إذا حصل ذلك في التوقيت والطريقة اللتين يريدهما.
المصدر: الجمهورية