لأن مراهم الدولة وحقن البنج التي تضخها الحكومة بين الفينة والاخرى منذ عام تقريبا، في جسم الاقتصاد المالي المنازع، ما عادت تنفع امام عمق الازمة التي تتخبط فيها البلاد اليوم، قررت القطاعات المعنية على ما يبدو، رفعَ الصوت وقولَ الامور كما هي، واضعة الاصبع على الجرح - اساس الخلل - مباشرة.
التهريب الى سوريا يقتل لبنان. بلا مواربة او خوف، كسر اصحاب الشأن الصمت، وبقوا البحصة. ففي الساعات الماضية، توالى رؤساء النقابات على قولها بصراحة: فيما نعاني الامرين لتأمين البنزين والطحين والقمح والمازوت للبنانيين ونتكبد خسائر جراء سعر صرف الدولار، تُهرّب هذه البضائع بلا حسيب ولا رقيب عبر المعابر الشرعية منها وغير الشرعية الى سوريا!
اما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ"المركزية"، فكان السباق في الاضاءة على هذه الحقيقة المؤلمة، وإن لم يقلها بالمباشر، اذ اشار الى ان احد ابرز مسببات فقدان الدولار في السوق المحلية، يتمثل في عمل جهات محددة وفي شكل منظم، على سحبه من الداخل اللبناني لتحويله الى سوريا.
وفق المصادر، الحل والربط في هذا الملف في يد الحكومة اليوم، اذ يتعين عليها العمل على اقفال الحدود بإحكام بين لبنان وسوريا ومراقبتها عبر الاجهزة المعنية. وما يُفترض ان يساعدها في مهمتها، ان هي رغبت فعلا بحل جذري يرفد خزينتها الخاوية بالملايين ويساعد في انقاذ الاقتصاد اللبناني، هو ان الناشطين على خط بيروت - دمشق، ليسوا بطبيعة الحال من فريق 14 آذار، بل أهل البيت الحكومي وعرّابوه!
على خط مكافحة الفساد ايضا، تتابع المصادر، بدا لافتا في الايام الماضية، نبش ملف الفيول المغشوش وفتح اوراقه في القضاء. في الموازاة، سُجل ايضا توقيف نقيب الصرافين محمود مراد (المعروف ب"قُربه" من الضاحية) واتهامه من قبل النيابة العامة المالية بالتلاعب بسعر صرف الليرة. الى ذلك، طلب مدعي عام التمييز غسان عويدات من وزارة الأشغال تنفيذ أعمال الإخلاء ووضع اليد على المخالفات في الاملاك البحرية.
للمفارقة، تتابع المصادر، هذه القضايا التي تفوح منها روائح الصفقات والفساد، تولّى ادارتَها على مدى سنوات، اطراف سياسيون من فريق 8 آذار السياسي، لطالموا رموا مسؤولية العجز والانهيار على خصومهم... اما السؤال الذي يفرض نفسه، فهو، هل سيذهب القضاء حتى النهاية في هذه الملفات، والكل سيشد على يده والحال هذه، ام اننا نشهد اليوم مسرحية ممجوجة ستضيّع وقت اللبنانيين، وتنتهي بـ"لفلفة" وتمييع للمسؤولية؟
في عود على بدء، تقول المصادر ان الوقت ساعد في تظهير كثيرٍ من الحقائق التي عُمل على "طمسها" لسنوات واشهر، وكشَف ايضا أهمّ مسببات الازمة الاقتصادية - المالية - النقدية الراهنة، والجهاتِ الضالعة فيها وتلك التي تغطّيها بالمباشر وبالمواربة. فهل ستتمكن حكومة اللون الواحد، (والقضاء ايضا) من اتخاذ القرارات الكبرى وسد هذه الثغرات، مرة لكل المرات فيصفق لها اللبنانيون من دون استثناء؟ الامر يحتاج بلا شك تمردا على الوصاية السياسية على السلطتين!