كتبت صحيفة "البناء" تقول: مع السباق الخليجي نحو موجة التطبيع مع كيان الاحتلال، تبدو السعودية صاحبة الدور المحوري في الخليج عاجزة عن قيادة هذه الموجة أو مواكبتها، لتصير الحملة من دون السعودية أضعف من إحداث تحوّلات كبرى وتعويضاً لكيان الإحتلال عن الفشل الذي يصيب كل يوم وجهاً من وجوه صفقة القرن بسبب العجز السعودي عن تأمين الشريك الفلسطيني الوازن، في ظل تصاعد الخطوات الفلسطينية السياسية والميدانية التي تجعل صفقة القرن أبعد فأبعد، من قرارات المجلس المركزي الفلسطيني بتجميد كل الاتفاقات مع كيان الاحتلال إلى تصاعد المواجهات شرق غزة، والرياض في انشغال عن كل ما يجري حولها بقضية قتل جمال الخاشقجي عمداً من قبل فريق حكومي في القنصلية السعودية في اسطنبول، بخرق فاضح لاتفاقيات فيينا حول الحصانة الدبلوماسية وشروطها، والقضية التي لم تحسب لها الرياض هذا الحساب صارت كرة ثلج تحاصرها.
آخر تطوّرات قضية الخاشقجي الطلاق القضائي التركي السعودي الذي ظهر أمس، في بيانات المدعي العام التركي، عن اتهام النائب العام السعودي بعدم تقديم أي أجوبة ذات قيمة على الأسئلة التركية حول مكان جثة الخاشقجي واسم المتعاون المحلي الذي ذكر في التحقيق، وإمكانية نقل التحقيق والمحاكمة إلى تركيا وفقاً لطلب القضاء والحكومة في تركيا، بينما قال المدعي العام التركي إنه لم يطلع السعوديين على التسجيلات الصوتية التي يملكها الأتراك ويريد السعوديون الاطلاع عليها أسوة بالأميركيين.
الموقف الأميركي الغامض والمرتبك، لا يزال يحاول امتصاص الصدمة ووضع القضية تحت السيطرة، لكن يبدو أن الانشغال الأميركي بالانتخابات النصفية للكونغرس التي تبدأ اليوم سيحجب المواقف العملية من قضية الخاشقجي لأسبوع آخر، ثم لأسبوع بعده حيث تكون القمة الروسية الأميركية قيد الانعقاد خلال أيام، بينما تتولى أوروبا عبر برلمانها ومؤسساتها الحقوقية الدعوة لتحقيق دولي مستقل تأسيساً على عدم الثقة بالتحقيق السعودي وحجم التستر الذي حملته النسخ المتعدّدة من الإفادات السعودية الرسمية.
بالتوازي كان لافتاً التمدد المفاجئ لتنظيم داعش في منطقة شرق الفرات التي يسيطر عليها الأميركيون، وتركهم قوات سورية الديمقراطية تفقد مواقعها دون تقديم أي دعم جوي لها، بصورة بدا توسّع داعش مطلباً أميركياً، مثله مثل ما وصفه الروس بالتحضيرات لعمل كيميائي في شمال غرب إدلب على يد جبهة النصرة والخوذ البيضاء، كتعبير عن مسعى أميركي لتعليق أي تقدم إيجابي في سورية والإيحاء بامتلاك بدائل للتسويات المعروضة عليهم من موسكو وعنوانها العملي التسليم بانتصار سورية والتأقلم مع هذه الحقيقة، ربطاً بانعقاد القمة الروسية الأميركية، ليتقرّر على نتائج القمة رسم السياسات اللاحقة.
لبنانياً، يطفئ عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون شمعته الثانية وسط آمال بولادة الحكومة الجديدة مع بدء السنة الثالثة من العهد، فبعد تسليم حزب القوات اللبنانية بأن مطالبه كانت مضخّمة وتتخطّى حجم ما يستحقّ من تمثيل في الحكومة، بقبول المشاركة، وفقاً للصيغة التي عرضت على القوات من الأيام الأولى للمشاورات حول تشكيل الحكومة، بقيت عقدة تمثيل النواب السنة المنتمين لقوى الثامن من آذار، وهو تمثيل يرفضه الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، مصراً على ما أصرّت عليه القوات في الشهور الماضية بالحصول على تمثيل مضخم، والحريري لا يستطيع إنكار حقيقة أنه يمثل ثلثي ناخبي ونواب طائفته، وأن الثلث الآخر يستحق التمثيل بلا منة ولا تربيح جميل، وأن الإنصاف يقتضي تقاسم مقاعد طائفته في الحكومة بقياس وتناسب التقاسم النيابي، أي ثلثين بثلث، وأن المقعدين المستحقين لهؤلاء النواب وقد قبلوا بمقعد واحد حق لا يقبل الاجتهاد ولا يسقطه التذاكي في الحساب والحديث عن الكتل الممثلة، ليصير السؤال مشروعاً، هل سيكون تواضع الحريري قبولاً بما قبلته القوات بعد طول انتظار هديته لرئيس الجمهورية عشية سنته الثالثة، وهديته لبلد معلق على حبال الانتظارات؟ أم سيستهلك كما فعلت القوات المزيد من الوقت والمعاناة لقبول الإقرار بالإنصاف في التمثيل أملاً بابتزاز رئيس الجمهورية الذي يريد للحكومة أن تولد سريعاً وقد حلت عقدة التمثيل المسيحي، عله يمنح المقعد المنشود من حصته، والرئيس مدرك أن إنجازات سنتين من عهده يمكن حصرها بالتحضير لما هو آتٍ، فلا الانتخابات النيابية وإقرار الموازنات أكثر من تحضير لقيام الدولة ومؤسساتها، والحكومة الجديدة هي التي ستترك المجال للحديث عن نجاح أو إخفاق، والوقت سيف قاطع، فهل يلعب الحريري مع عون لعبة الوقت أم يقدم بشجاعة النية على تحقيق الإنجاز فيريح ويستريح؟
ساعات قليلة تفصل اللبنانيين عن ولادة الحكومة الحريرية الثانية في عهد الرئيس العماد ميشال عون. فالرئيس المكلف سعد الحريري سوف يزور قصر بعبدا اليوم حاملاً معه الصيغة الحكومية النهائية بعدما واصل أمس اتصالاته مع المكوّنات السياسية المعنية بالتأليف من أجل إيداعه أسماء وزرائها، وأجرى اتصالاً بالرئيس عون تمّ خلاله تقييم ما جرى على صعيد ما أسفرت اليه المفاوضات الحكومية.
لكن اللافت بحسب المعلومات الصادرة عن مقرّبين من حزب الله لـ"البناء" أنّ الأخير رفض تسليم الرئيس المكلف أسماء وزرائه قبل الاتفاق على تمثيل السنة المستقلين في الحكومة، بمعزل عن وزراء حزب الله باتوا معروفين وهم الدكتور جمال الطقش لوزارة الصحة، الحاج محمود قماطي لوزارة الشباب والرياضة والوزير محمد فنيش لوزارة الدولة لشؤون مجلس النواب.
ويأتي موقف حزب الله رداً على ما أدلى به الرئيس المكلف أمس، حيث أكد بحسب مصادر بيت الوسط لـ"البناء" أن تمثيل سنة المعارضة لا يعنيه جملة وتفصيلاً، واذا كان حزب الله يصرّ على توزيرهم، فليسمّ الأفرقاء المعنيون أحداً غيره لتشكيل الحكومة". وبالنسبة للمصادر عينها فإنّ اللقاء التشاوري هو بدعة، لا سيما انّ النواب السنة ينتمون في غالبيتهم الى كتل التحرير والتنمية والوفاء للمقاومة والتكتل الوطني، في حين أنّ الوزير عبد الرحيم مراد جاء اسوة بالنائب عدنان طرابلسي منفرداً الى الاستشارات النيابية في حين أنّ النواب الأربعة الآخرين أتوا مع كتلهم.
وبانتظار ان تتوضح الأمور اليوم، فانّ قصر بعبدا يلتزم الصمت حيال هذا الأمر علماً انّ الرئيس المكلف رمى كرة توزير اللقاء التشاوري عند الرئيس عون الذي يمكنه أن يسمّي شخصية من اللقاء التشاوري، إذا رغب بالأمر. أما عين التينة فتشهد اليوم اجتماعاً بين الرئيس نبيه بري والنواب السنّة المستقلين بغياب الوزير عبد الرحيم مراد الموجود في مدريد، ليُبنى على الشيء مقتضاه حيال مفاوضات حلّ العقدة السنية.
وبينما أشار الرئيس بري الى انه "لا يستطيع ان يقول فول إلاّ تيصير بالمكيول"، فإنّ مصادر النائب فيصل كرامي أشارت الى انّ رئيس الجمهورية لطالما أعلن أنه مع اعتماد وحدة المعايير، وبالتالي فإنّ تطبيق وحدة المعايير لا يسمح ان يكون اللقاء التشاوري خارج الحكومة لا سيما أنّ الحكومة المتفق على تأليفها هي حكومة وحدة وطنية. ولفتت المصادر لـ"البناء" الى انّ كرامي والنائب جهاد الصمد شكلا مع نواب تكتل لبنان الحر الموحد والنائبين فريد هيكل الخازن ومصطفى حسين التكتل الوطني، مشيرة الى أنّ الحساسية التي أحدثها هذا الامر عند التيار الوطني الحر ليست في محلها، فكرامي لم يكن يوماً ضدّ العهد او ضدّ الرئيس العماد ميشال عون، فهو على أفضل العلاقات مع رئيس الجمهورية ولم تمرّ بمراحل توتر على الإطلاق، لافتة الى انّ كرامي يشكل حالة قائمة بحدّ ذاتها. بالتالي فانّ ما يُحكى عن خلاف مع بعبدا جراء تشكيله والوزير سليمان فرنجية التكتل الوطني يبقى في إطار التسريبات او الإشاعات المستغربة. ولفتت المصادر الى أنّ ضغط حزب الله لتمثيل السنة المستقلين سيؤدّي الى النتيجة المرجوة لا سيما أنّ مطلبنا عادل، وينطلق من وحدة المعايير التي نادى بها رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وينطلق أيضاً من موقف حزب الله المعروف عنه أنه لا يتراجع عما يقوله لجهة إحقاق الحق تجاه أية مسألة، مع تشديد المصادر على انّ حزب الله لن يتراجع عن موقفه، ونحن لا يهمّنا اية شخصية ستوزّر فالجميع سواسية، والمهم أن نمثل بشخصية من اللقاء في الحكومة. وشدّدت المصادر على انّ موقف الرئيس الحريري الرافض لتمثيل السنة المستقلين هو موقف محلي محض ولا علاقة له بأيّ قرار خارجي، لأنّ الحريري لا يزال يعمل وفق قاعدة انه الممثل الوحيد للسني بعيداً عن الظروف الجديدة والتطورات التي حصلت بعد تاريخ 6 أيار.
وبالتوازي، أشارت مصادر أخرى في اللقاء التشاوري لـ"البناء" الى أنّ تمثيلهم في الحكومة يجب أن لا يكون من حصة أحد لا سيما انهم يشكلون تكتلاً مستقلاً، ويحق لهم التمثيل من خارج حصة رئيس الجمهورية، ولفتت المصادر الى أنّ "حزب الله المصرّ على تمثيلنا يمكنه أن يضغط والرئيس نبيه بري تجاه هذا الأمر، لا سيما أنه كان بمقدوره استناداً الى نتائج الانتخابات ان يكلف شخصية من 8 آذار لتأليف الحكومة إلا أنه لم يفعل مراعاة للخصوصية الحريرية".
إلى ذلك شهد يوم أمس حلاً لأمّ العقد الحكومية وهي العقدة القواتية مع إعلان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد اجتماع لكتلة "الجمهورية القوية" في معراب أنّ الكتلة قرّرّ المشاركة في الحكومة، معتبراً انّ القوات داخل الحكومة ستكون أكثر إفادة بكثير. وقال: "ليس هناك حقائب وزارية حقيرة بل هناك أناس حقيرون".
ورأى جعجع انهم "لا يريدون" القوات في الحكومة، لأنها استطاعت من خلال تصرفاتها وممارساتها في الحكومة السابقة إيقاف عدد من الصفقات ملمّحاً الى صفقة الكهرباء. هذا وكانت كتلة الجمهورية القوية انقسمت بين معارضين لدخول الحكومة وبين مؤيدين لقبول طرح الرئيس المكلف الذي أعطى القوات نائب رئيس حكومة وثلاث وزارات هي العمل والشؤون الاجتماعية والثقافة.
وعليه يمكن القوات إنّ وزراء القوات اسوة بوزراء حزب الله باتوا معروفين وقد سلّم الوزير ملحم الرياشي الرئيس المكلف أمس، لائحة بأسماء وزراء "القوات اللبنانية" في الحكومة العتيدة، وهم: غسان حاصباني، مي شدياق، ريشار قيومجيان وكميل أبو سليمان.
أما على خط حركة أمل فإنّ الأسماء باتت معروفة. وهي: علي حسن خليل وزيراً المالية، حسن اللقيس وزيراً للزراعة ومليحة الصدر وزيرة للبيئة، وكذلك الحال بالنسبة للحزب التقدمي الاشتراكي حيث سيكون النائب وائل ابو فاعور وزيراً للتربية والنائب أكرم شهيب وزيراً للصناعة بيد أنّ الوزير الدرزي الثالث لم يحسم اسمه بعد بانتظار ما سيقرّره رئيس الجمهورية أسوة بالوزير السني. في حين أنّ وزارة الأشغال من المرجح ان تبقى مع الوزير المردي يوسف فنيانوس، رغم ما تردّد انها قد تؤول الى النائب عن التكتل الوطني فريد الخازن. وبانتظار أن ينتهي الوزير جبران باسيل إنزال ما تبقى من أسماء على بعض الحقائب التي ستؤول الى تكتل لبنان القوي ولم يحسم وزراؤها بعد، فإنّ المعلومات تشير الى انّ وزارة الخارجية ستبقى مع الوزير جبران باسيل، لتكون ندى البستاني وزيرة للطاقة، في حين أن الوزير بيار رفول سيتولى وزارة الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية، والوزير سليم جريصاتي سيبقى وزيراً للعدل، والدفاع للنائب الياس بو صعب. اما على خط تيار المستقبل فإنّ بعض الأسماء والحقائب قد حُسمت بحسب المعلومات المتوافرة وهي أنّ الحريري سيكون رئيساً للحكومة ووزيراً للداخلية في الوقت عينه، ومصطفى علوش وزيراً لشؤون النازحين ومحمد شقير وزيراً للاتصالات.
من ناحية أخرى وبانتظار أن تتألف الحكومة وتنال الثقة، أعلن سفير فرنسا في لبنان برونو فوشيه أنّ "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيزور لبنان قريباً وسيوقع على خريطة طريق طموحة للفرنكوفونية كمنتج تاريخي والذي يعتمد بشكل أساسي على التربية."