كتب موقع DW الألماني: كثيرة هي القواسم بين إيران من جهة ولبنان والعراق من جهة ثانية، أبرزها أن القوى المدعومة من طهران هي الأقوى سياسيا في البلدين العربيين. لكن الاحتجاجات الأخيرة تنبئ أن "الأخطبوط" الإيراني يعيش أوقاتاً صعبة.
في عام الاحتجاجات التي انتشرت في أكثر من بلد، لدرجة حديث محلّلين عن "ربيع عالمي" وليس فقط عربي جديد، يخرج آلاف المتظاهرين في إيران. في الظاهر تتوقف المطالب على رفض رفع أسعار البنزين، لكن في العمق، قد تتوحد مطالب الإيرانيين مع مطالب اللبنانيين والعراقيين، ضد النظام السياسي ككل، لا سيما مع وجود قواسم كثيرة بين البلدان الثلاثة، أبرزها القبضة الإيرانية التي تتجاوز حدود بلدها.
ووصلت الاحتجاجات الإيرانية إلى حد وقوع عدد من القتلى والجرحى، ونقلت وكالة فارس للأنباء أن السلطات اعتقلت أكثر من ألف متظاهر، في رد على العنف الذي تسبّب بإضرام النيران في مئة بنك.
من جهته، يعيش العراق على وقع أكبر تظاهرات في تاريخه منذ سقوط نظام صدام حسين، إذ يطالب المحتجون بإقالة الحكومة وحل البرلمان. ووفق وكالات الأنباء، تسبّبت هذه المظاهرات -منذ بدئها قبل أسابيع- بمقتل أكثر من 300 شخص. أما في لبنان، فقد تسبّبت الاحتجاجات التي ترفع مطالب سياسية واقتصادية باستقالة حكومة سعد الحريري.
كلمة السر: النظام الإيراني
منذ سقوط نظام صدام حسين، احتفظت طهران بتأثير كبير على الساحة العراقية، مستفيدة في ذلك من كون الشيعة أغلبية في البلد، ومن القرب الجغرافي، ومن غياب الاستقرار، لتتمكن من التغلغل العسكري والسياسي. وحسب تصريحات سابقة للإعلامي العراقي أحمد الركابي لـDW عربية، فالعراق يمثل خطاً أحمر بالنسبة لإيران، ليس فقط من الناحية الأمنية نظراً للحدود الشاسعة بينهما، أو استفادتها من العائدات النفطية، بل كذلك لوجود أحزاب عراقية ترتبط بإيران.
وفي لبنان، لا ترّكز إيران تأثيرها فقط عبر حزب الله، الذي كان رافضًا للاحتجاجات الأخيرة وسعى إلى وقفها، بل تلعب كذلك على قوة الطائفة الشيعية في بلدٍ يعتمد الطائفية نظامًا سياسياً رغم كل الانتقادات الموجهة لها. لكن المفارقة أن عدداً من المحتجين في العراق، طالبوا برفع طهران يدها عن البلد، بل إن "الحاضنة الرئيسية لإيران في العراق أو في لبنان (أي المناطق الشيعية) لم تعد تقبل أن تكون طهران هي من تحكمها، حسب تحليل لحنين غدار.
غير أن المحلل السياسي نجاح محمد علي، يرى أن هناك تعميمًا في هذا القول، متحدثا عن أن إيران تملك قاعدة شعبية واسعة في البلدين، وعندما تخرج مجموعة من الشيعة للاحتجاج ضدها، فهي لا تعكس توجهات الطائفة ككل. ويدافع المتحدث في تصريحات لـDW عن الوجود الإيراني في العراق، متحدثا عن أن طهران قامت بدور كبير في محاربة "داعش" وفي تقديم الدعم اللازم للبلاد، فيما تتحمل واشنطن جلّ المشاكل، فهي من "احتلت العراق وأنشأت النظام السياسي وهي من جاءت بالطبقة الفاسدة للحكم" حسب قوله.
من يؤثر في من؟
ستتأثر إيران سلبًا في حال نجح المتظاهرون العراقيون واللبنانيون في إضعاف الأحزاب السياسية المرتبطة بقادة طهران، حسب تحليل لنيويورك تايمز، لذلك سعت وسائل الإعلام الإيراني، حسب المصدر ذاته، إلى تصوير سيء للتظاهرات في لبنان والعراق، وتصفها بكلمة "تحريض" التي استخدمت لوصف التظاهرات المناوئة للحكومة في إيران، فضلا عن اتهام أميركا وإسرائيل والسعودية بتأجيج هذه الاحتجاجات بغية إضعاف إيران.
غير أن هناك من يرى أن احتجاجات إيران ليست بـ"البراءة" التي تصوّر بها، إذ يقول نجاح محمد علي، إن طهران اختارت عمدا هذا التوقيت، لأجل تنفيذ "قرار تقنين استخدام البنزين ورفع الدعم عن بعض أصنافه"، حتى "تقوم بجرّ جماعات تعمل مع دول خارجية إلى الفخ، فيتم فرز المتظاهرين الذين يرغبون بتقويض النظام".
ويشرح محمد علي أكثر بالقول إن "غالبية الشعب الإيراني لا يمكن أن تحتج على هذه الخطوة الحكومية، لأنها ستضخ أموالاً لدعم 75 % من الشعب الإيراني"، أما مظاهرات التخريب التي وقعت، فهي "مدعومة من الخارج"، تماما كما حدث في لبنان والعراق وفق قوله، مشيراً إلى أن استهداف هذه الدول الثلاث يعود إلى انتمائها إلى "محور المقاومة".
المسؤولون الأميركيون لا يخفون ابتهاجهم بما يجري من تظاهرات في إيران، طمعاً في سقوط هذا النظام. لكن هل هم الذين أطلقوا هذه الاحتجاجات؟ من الصعب ربط الأمر بالمؤامرة الخارجية بهذا الشكل. فقد شهدت البلاد تظاهرات متعددة في تاريخها الحديث، كما جرى في صيف عام 2018، عندما خرج المتظاهرون ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وفي الوقت الذي تبّرر فيه طهران مشاكلها الاقتصادية بالعقوبات الأميركية، فإن المشاكل المالية ليست بكل هذه الحدة عند حرسها الثوري، أداتها للتغلغل العسكري في سوريا ومناطق أخرى، إذ كشفت جريدة "وول ستريت جورنال" مؤخراً أن هذا الحرس تمكن من إيجاد مصادر تمويل جديدة.
الاحتجاج.. لغة العالم
وعموما فإن الاحتجاجات في إيران ولبنان والعراق غير مرتبطة ببعضها بالضرورة، فالعالم يشهد تظاهرات متعددة، سواء في دول أخرى بالمنطقة العربية، كالجزائر والسودان، أو في أميركا اللاتينية، وتحديدا الإكوادور وبوليفيا والتشيلي، أو حتى في دول شرق آسيا كهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، بل وصلت التظاهرات إلى القارة العجوز، إذ تتواصل في فرنسا تظاهرات السترات الصفراء التي خرجت لأسباب اجتماعية، وتسّببت في إحراج كبير للرئيس ايمانويل ماكرون.
المصدر: dw