حبس أنفاس وترقب حذر يسيطران على المشهد الدخلي اللبناني بانتظار ما قد تؤول اليه الساعات المقبلة من ردّ لحزب الله على مقتل عنصرين له في سوريا بغارات اسرائيلية.
واذا كانت معلومات "النهار" تشير الى ان الردّ المتوقع سيأتي بعد المهرجان الذي تحضر له حركة أمل في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في 31 آب، تتسارع الاتصالات المحلية والدولية للحدّ من النتائج السلبية لهكذا ضربة.
الوضع على الحدود
اذاً يسيطر الهدوء الحذر على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية وسط استنفار في الجانب الاسرائيلي على وقع الحديث عن ان إسرائيل حشدت 3 فرق من 20 الف ضابط وجندي مع دبابات ومدفعية لكنها جهزت أيضا 110 الاف ضابط وجندي هم فرق احتياط للتدخل في المعارك التي قد تبدأ مع حزب الله.
أما في المقلب اللبناني، فيسير الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل دوريات مؤللة على طول الحدود مع اسرائيل تحسباً لأي خرق محتمل.
الاستنفار الديبلوماسي والسياسي على أشده
وتوازياً مع الوضع الأمني، نشطت الاتصالات على الساحة الداخلية اللبنانية ومع الخارج للتحفيف من تداعيات ما حصل وتجنيب البلاد أي ضربة اسرائيلية محتملة.
وفي حين يستعد المجلس الأعلى للدفاع الى الاجتماع في قصر بيت الدين بعد ظهر اليوم لبحث آخر المستجدات على الساحة الداخلية، أوضحت لـ"النهار" مصادر معنية بالاستنفار اللبناني الرسمي الذي حتمته التطورات التي نشأت عن الخرق الاسرائيلي للقرار 1701 وتجاوز هذا الخرق الانتهاكات الجوية اليومية الى تبديل معالم "الستاتيكو" القائم منذ عام 2006 والرد الذي استتبعه هذا التطور من الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مهدداً بمواجهة مفتوحة من لبنان تحديداً، أن المعطيات التي ظهرت من خلال الاتصالات والتحركات الديبلوماسية السريعة التي أجريت أمس أبرزت تناقضاً واسعاً بين التقديرات التي يمكن ان تتجه عبرها التطورات.
وقالت مصادر وزارية لـ"اللواء" ان الدولة اللبنانية تقوم بواجباتها ضمن إطار تحركها، وان هناك ضرورة للتهدئة، لكن هذه التهدئة يجب ان تبدأ من الجانب الإسرائيلي، متوقعة ان تحضر هذه التطورات في جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد اليوم في السراي، وان لم يكن اليوم فعلى الارجح بعد غد الخميس، حيث ترددت معلومات عن احتمال عقد جلسة لمجلس الوزراء في بيت الدين، رغم ان الوزراء لم يتبلغوا بأي توجه في هذا المجال.
وفي السياق عينه، لفت مصدر وزاري لـ"الشرق الأوسط" إلى أن السباق قائم على أشده بين الجهود الدبلوماسية التي يقودها شخصياً رئيس الحكومة سعد الحريري، لإعادة الاعتبار لاحترام قواعد الاشتباك من قبل إسرائيل وبين التزام نصر الله بالرد على الخرق الإسرائيلي الذي استهدف منطقة تقع في عمق الشعاع الأمني لـ"حزب الله".
التحقيقات مستمرة
في هذا الوقت، علمت "اللواء" من مصدر قريب من التحقيقات ان التحقيق إنطلق، وان الطائرتين المسيّرتين انطلقتا من لبنان، وهذا ما قصده السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بأن الحزب قرّر الرد على الاختراق، الذي بات مكشوفاً لديه، وملاحقة الفاعلين، ومن لبنان.
وكان الحزب قد أصدر بياناً مساء أمس أعلن أن الطائرة الأولى التي تم تحليلها تحتوي على عبوة مغلفة ومعزولة بطريقة فنية شديدة الإحكام وأن المواد المتفجرة الموجودة بداخلها هي من نوع C4 وزنة العبوة تبلغ 5.5 كيلوغرامات.
الرواية الأميركية
وعلمت "الأخبار" أن وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو تولى، بعد اتصالات مع الجانب الاسرائيلي، عملية الضغط الاساسي، وتبعه في ذلك مسؤولون من بريطانيا وفرنسا. وركز المسؤول الاميركي على أن بلاده "تقرّ بأن ما حصل كان انتهاكاً للقرارات الدولية، لكن يمكن إعادة ضبط الامور". وبحسب معلومات "الأخبار"، حاول الجانب الاميركي إقناع الحكومة اللبنانية بأن إسرائيل "لم تعمد الى تغيير قواعد اللعبة"، شارحاً أن الهجوم في سوريا "كان ضرورياً لمنع هجوم مقرر من جانب الايرانيين، وان القوات الاسرائيلية تثبّتت من خلوّ المقر من أي عناصر بشرية قبل أن تقصفه، ولم تكن تتقصّد إيقاع إصابات بشرية في صفوف عناصر حزب الله".
وفي ما يتعلق بعدوان الطائرات المسيّرة على الضاحية الجنوبية، روّج الأميركيون أنه "لم تكن هناك نية للقيام بعمل هجومي، وما حصل أن طائرة مسيّرة كانت تقوم بعمل استطلاعي دوري، تعرضت لمشكلة ما، أوجبت إرسال طائرة أخرى لتفجيرها". وهدفت هذه الرواية الى القول إن على الحكومة اللبنانية إصدار موقف يمنع حزب الله من القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل. وقد أرفق المسؤول الاميركي ذلك بنقل رسالة تهديد بأن إسرائيل "ستردّ بقسوة على لبنان في حال قام حزب الله بعمل ضدها، ولن تفرّق بين الحكومة والحزب".
الحزب: الردّ أولاً
حزب الله لم يكن بعيداً عن مضمون هذه الاتصالات، لكن موقفه كان حاسماً بالتأكيد على ما اعلنه السيد نصر الله والتشديد على أن الرد العسكري سيحصل في توقيت تختاره المقاومة. وبحسب معلومات "الأخبار"، فإن الحزب لن يقبل بالمعادلات التي تطرحها الوساطات الغربية. ومختصر موقفه يقول: "انتظروا ردّنا وبعدها هاتوا ضمانات بأن لا يكرر العدو عمله ويتوقف عن كل أنواع الخروقات. لكن لن يكون أي بحث أو ضمانة إلا بعد أن تتثبت المقاومة، ووفق قواعدها، من التزام العدو بقواعد اللعبة".
وبحسب مصادر معنية، فإن المسؤولين اللبنانيين على اختلافهم، وكذلك جهات غربية، فهموا من خلال رسائل متنوعة أن المقاومة لن تعمل تحت الضغط ولا تحت طلب أحد، وأنها ستثبت للجميع أن قواعد اللعبة الجديدة تفتح الباب أمام سياسة التماثل التام: "صاروخ مقابل صاروخ، وطائرة مسيرة مقابل طائرة مسيرة، وقذيفة مقابل قذيفة ورصاصة مقابل رصاصة ودم مقابل الدم".
في المقابل، ثمة معطيات ديبلوماسية دولية واقليمية برزت في الساعات الاخيرة عن احتمالات تبريد المواجهة الاميركية – الايرانية في المنطقة من شأنها ان تقلل احتمالات التصعيد أو تبقيه ضمن اطر محدودة بما يبرر اندفاع الجهود الديبلوماسية اللبنانية في الساعات الاخيرة نحو الحصول على ادانة من مجلس الامن للخرق الاسرائيلي للضاحية ووقف الاستهدافات الاسرائيلية المماثلة تجنباً لتدهور أوسع وأشد خطورة.