أعاد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني ومعه تصعيد امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لهجته حيال الوجود الاميركي في الشرق الاوسط خلط الاوراق في الملف الحكومي، ما يوحي ان القرار اتخذ في بيروت بالتشدد في تأليف الحكومة المنتظرة.
بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ومع تصعيد امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لهجته حيال الوجود الاميركي في الشرق الاوسط، يبدو ان القرار اتخذ في بيروت بالتشدد في تأليف الحكومة المنتظرة، واللافت في موضوع التأليف غياب او التغاضي عن كل الشروط التي كانت قد وضعتها الثورة او ما عرف بخارطة طريق الثوار للخروج من الازمة الاقتصادية.
لا ازمة المازوت المستجدة تؤثر في الاحزاب الحاكمة، ولا الكلام عن فقدان مادة الغاز الضرورية لتعبئة العبوات المنزلية، ولا ندرة وجود الدولار ولا حتى قيمته الفعلية التي بلغت 2300 ليرة تهز الطبقة السياسية الحاكمة، لا بل نلاحظ على الوسائل الاعلامية عودة تلك الوجوه الى الشاشات وسط غياب جزئي لتلك الشاشات عن تغطية اخبار وتحركات الثوار على امتداد الجغرافيا اللبنانية.
الثورة منقسمة على نفسها في التكتيك ولو ان الاستراتيجية تجمعها، فبعض اركانها يريد اعطاء الرئيس المكلف حسان دياب فرصة التأليف ليبنى على الشيء مقتضاه، بينما البعض الآخر يحاول الضغط على دياب لتقديم اعتذاره للذهاب مجددا الى التكليف، على امل ان تنصاع الاحزاب الحاكمة الى لغة الشارع الذي سحب ثقته لمن انتخبته في الانتخابات النيابية الاخيرة. بمطلق الاحوال وحتى الساعة لم تنجح الثورة في الفوز بلقب "الثورة" لانها تعود في كل استحقاق الى اللعبة السياسية التي يحكمها البرلمان، بينما الثورة بالمفهوم العالمي تمرد على السلطة وجميع مؤسساتها التنفيذية والرقابية وحتى الامنية.
احزاب السلطة أتقنت من جهتها لعبة الاستيعاب وأعادت فرض شروطها، ومحاولات اعادة "تعويم" حكومة تصريف الاعمال تبحث في الصالونات السياسية، بينما يطرح آخرون فكرة استنساخ حكومة الحريري برئاسة حسان دياب، كلها مؤشرات تدل الى عدم اكتراثهم بالثوار، وعدم اعترافهم بالحركات الاحتجاجية، ربما الخطأ الوحيد والاساسي الذي ارتكبته الثورة بحق نفسها انسحابهم من الشارع بعد استقالة الحريري وافساح المجال لرئيس الجمهورية ميشال عون للدعوة الى استشارات نيابية غير متنبهين الى ان مصالح تلك الاحزاب واستمرارها على المحك.
استغلت السلطة الانسحاب من الشارع، وبدأت عمليات المناورة بالدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة، علما ان جميع المؤشرات كانت تدل الى ان شيئا لن يتبدل بمفهوم الاحزاب الحاكمة، فبتنا ننتظر الدعوات الى الاستشارات النيابية كمن ينتظر سحب اللوتو الثلثاء او الخميس، ومع كل موعد يحدد يتم ايجاد "التخريجة" والمبرر للموعد الجديد.
صحيح ان الثورة اللبنانية لن يطفأ مشعلها ابدا فهي ارست قواعد المحاسبة والمراقبة والاقتصاص وكل استحقاق نيابي او وزاري سيتم التعامل معه وفق مبدأ الفاسد والتكنوقراط، وشعار "كلن يعني كلن" اضحى مفهومًا لبنانيًا جديدًا، يبقى اعادة احياء نشيد "الهيلا هيلا هو" الذي على ما يبدو امضى من السيف تخشاه السلطة الحاكمة لانه يخفف من قدسيتها والوهيتها ويخفف من تعاليها وتكابرها وجشعها اللا محدود لسلطة تتمسك بها كما يتمسك المريض بالحياة.