في وقتٍ يبدوا أن العالم بأسره يتلفّظ أنفاسه بسبب وباء كورونا المستجدّ، وفي ظلّ انشغال الدول المتقدمة بتطوير لقاح لهذا المرض والحدّ من انتشاره والعمل على حماية الأرواح، لا تزال الدولة اللّبنانية تمعن في إذلال المواطنين وسحق حقوقهم وسرقتها والاستثمار الرخيص في صحّتهم، ولا تزال تلتّف على الثورة وتختبئ خلف أزمة الوباء لتستر عجزها عن تحمّل المسؤوليّة وتدبّر الأمور بما يصّب في مصلحة المواطن. فأي دولة هذه التي تفرض حالة التعبئة العامّة على الناس دون تأمين أدنى مقومات الصمود؟ وأي وقاحة تلك التي تمارسها المصارف في احتجاز أموال المودعين بحجّة إقفال المطار؟ مليارات الدولارات تتطاير في الهواء فيما المودعون عاجزون عن سحب ولو 50 دولار من جنى أعمارهم. وفي وقتٍ يناشد فيه المواطنون الدولة لحلحلة الأمور واتخاذ إجراءات صارمة، ينشغل الأفرقاء باللّهُو بلعبتهم المفضّلة، لعبة المحاصصة والمحسوبيات الطائفية والحزبيّة في التعيينات وشهوتهم الفارغة إلى ملء المراكز في السلطة الفاسدة التي نهبت الأخضر واليابس، ثم عادت لتطعم الناس كسرة خبزٍ من الرغيف الذي سرقته منها يوماً.
مع الأسف فإن الهُوة تتسّع بين عالم هموم المواطن وعالم ترف السلطة، فقبل أن تتخذ الحكومة القرار بالتعبئة العامة، ومن ثم القرار المتأخر بمنح 400 ألف ليرة لبنانية لإعالة الأُسَر الأكثر فقراً في لبنان، هل راجع الوزراء كلفة إيجار المنزل في لبنان؟ فاتورة الكهرباء؟ الاشتراك؟ مياه الخدمة ومياه الشرب؟ بدل خدمات الانترنت؟ ارتفاع الأسعار الجنوني في المواد الغذائية الأساسية كحليب الأطفال والحبوب واللحوم والخضار والفواكه؟ أسعار الكمّامات ومواد التعقيم؟
أمّا عن الجرائم التي ترتكبها المصارف، فأي شريعة غاب تلك التي سادت على حساب منطق القانون والدولة؟ وأي ذنب اقترفه المواطن ليدفع الثمن ويتحمّل نتيجة الإهمال والنهب والفوضى؟ هذه هي نتيجة الوعود بالإصلاح ومحاربة الفساد؟ مصارف مقفلة في وجوه الناس إلى أجل غير مسمّى، ومن ثم تبرعات للناس لتلميع صورة الناهبين! الصرّافين وتُجار الأزمات لا زالوا يتحكمّون بسعر صرف الليرة دون الاكتراث بالنتائج الكارثية التي آلت إليها الأمور، حكومة "تكنوقراط" يهدّد أعضائها بالاستقالة في حال عدم حصولهم على مزيد من التعيينات، تعليم عن بُعد في مقابل 500 MB فقط للطالب، حظر تجوّل بعد السابعة مساءاً وضبط للمخالف دون وجود استراتيجية لضمان بقاء الناس في المنازل وتأمين قوت يومهم على الأقلّ، تأخير في اتخاذ القرارات بمساعدة اللبنانيين المغتربين على العودة من الدول الموبوءة، واللائحة تطول. الأسلوب نفسه والمنهجية الفاشلة نفسها في إدارة الأزمة.
في وقتٍ أعطى تحالف متحدون الفرصة للحكومة الحالية على الرغم من كل المؤشرات السلبية، كانت النتيجة الخذلان فإن "ما بُني على باطل فهو باطل". الرسالة الآن وبالفمّ الملآن: ارحلوا عنّا وكفّوا عن المتاجرة بقضايانا. نريد دولة مدنية قادرة على حمايتنا، لا نريد المزيد من "كراتين الاعاشة" من أحزابكم، لا نريد المزيد من العدس والبرغل والحمّص المُنكّه بالدّم. الوباء سينتهي حتماً وستعود الساحات لتمتلئ وستكون أصوات الحقّ والحريّة هذه المرّة أبعد من الساحات!