بالأمس إنفجار مروع في بيروت، وغداً، تفجير أعنف في لبنان كلها!
بالأمس تفجير بيروت جزء من صراع مسرحه القتالي في إيران، وسوريا، وحدود لبنان، وهضبة الجولان! هكذا قررت إسرائيل، وهكذا توعّد نتنياهو.
وتفجير الغد المدوي في الثامن عشر من أغسطس 2020 بعد تأجيله بسبب إنفجار مرفأ بيروت سيكون إعلان الحكم في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري.
في هذا الحكم ستكون هناك إجابات عن أسئلة رئيسية:
١- من قتل؟
٢- كيف؟
٣- من حرّض؟
٤- من موّل؟
٥- من سهّل الجريمة؟
٦- من شارك؟
٧- من تستر على القتلة؟
٨- من حاول العبث بمسرح الجريمة؟
سنوات طويلة والمحكمة الخاصة في لاهاي تسجل آلاف الشهادات، وتتابع آلاف التسجيلات الصوتية، وتطّلع على ملايين الوثائق لتجيب عن هذه الأسئلة.
بعد صدور الحكم لن يصبح لبنان الذي نعرفه كما هو.
بعد صدور الحكم، ستصبح العقوبات الدولية على إيران أكثر شدة، وسيصبح قانون قيصر ضد سوريا بداية إجراءات أكثر قسوة وأشد عقوبة.
لبنان، سوريا، حزب الله، إيران، كلها سوف تتأثر مادياً ومعنوياً بحيثيات قرار محكمة الحريري.
باختصار شديد سوف تصدر المحكمة غداً حكماً جنائياً منطقياً سوف تكون له تداعيات سياسية مفتوحة غير منضبطة!
ضحايا انفجار ميناء بيروت . سواء كانت إسرائيل أو الإهمال والفساد هم المتسببين فى استشهادهم أو إصاباتهم أو ضياع أملاكهم .
في النهاية سيخرجون من تبعات هذا الحادث وبداخلهم غضب لا ينتهي على عهد الرئيس ميشال عون، وكراهية شديدة ضد الحكومة الحالية، ومشاعر متفجرة ضد معادلة الحكم وأركانها ومؤسساتها.
بعد هذا الرصيد المخيف من الغضب والإحباط سوف يسمع الرأى اللبناني، فوق ذلك كله، وبالإضافة إليه، قرائن وحيثيات محكمة دولية خاصة تقول له إن كثيراً ممن يحكمونه ليسوا فقط فاسدين ولكنهم قتلة مجرمون بمعنى الكلمة.
لبنان الذى يلفظ أنفاسه الأخيرة كمشروع دولة، والذي يعاني من ثلاثية: «شدة الفساد، نقص السيادة، سقوط النخبة»، عليه أن يتعامل مع هذا المثلث القاتل على قاعدة من ٣ عناصر، كل منها تغتال قارة بأكملها وهي:
١- حكم المحكمة الدولية.
٢- قانون قيصر وآثاره.
٣- إنفلات الموقف الصحي بالنسبة لفيروس كورونا.
تفجير الميناء في بيروت، هو رسالة مثل تلك التي أطلقت في إيران منذ ٣ أشهر بتفجير أهم المواقع الحيوية والإستراتيجية، ومثل ٢٠ عملية قصف فى مائة يوم لأهداف منتقاة فى الأراضي السورية، وفى العمليات النوعية ضد قيادات وعناصر حزب الله اللبناني فى سوريا وهضبة الجولان.
من المؤكد أن لبنان الصغير، الجريح المبتلى بساسة يعشقون الفساد ويدمنون التربح من المال العام، والذي يعاني من وجود لاجئين ونازحين من فلسطين وسوريا يعادلون ثلثي تعداد سكانه المجتمعين، والذى يعاني من الإنهيار الإقتصادي، والجفاف المالي، والإحباط الوطني، والسقوط الإجتماعي في ظل نقص سيولة، وزيادة بطالة، وإنخفاض قيمة العملة الوطنية، ورغبة شبابه فى الهجرة النهائية، أصبح لا يحتمل؛ ببساطة نفد صبر الناس وأصبحوا شظايا إنفجار مكتوم!
هذا اللبنان مؤهل أكثر من أى دولة على ظهر كوكب الأرض اليوم إلى أن يصبح دولة فاشلة، تعانى من التشرذم والفوضى وذهاب هيبة الدولة، وغياب القانون، وانتشار الجريمة وسيادة الميليشيات الطائفية، والتحول إلى دويلات.
يحدث ذلك وهناك تداول لمسودة مشروع مسيحي ماروني من بعض القوى النافذة مالياً وسياسياً لاستمزاج فكرة إقامة نظام كونفيدرالي يتيح فصل المسيحيين الموارنة سياسياً عن التزامات المسلمين الشيعة الإقليمية، وصراعهم مع المشروع السني السياسي.
أخطر ما فى حكم محكمة لاهاي أنه سوف يجيب عن أخطر الأسئلة التي عاشها لبنان لمدة 15 عاماً، وهي إذا كان هناك «قتيل» اسمه رفيق الحريري ورفاقه ممن استشهدوا قبله، ومعه، وبعده، فإنه بالتأكيد - حكماً، وعقلاً، ومنطقياً - لا بد أن يكون هناك «قاتل» ما.
بعد ساعات من قراءتك لهذه السطور سيعرف العالم: مَن القاتل، ومن المحرض، ومن المتستر.
القاتل - محلي، وإقليمي ، سوف يتم تحديده بما لا يدع مجالاً للشك فى ظل مناخ ملتهب وتفجيري.
أنصار سوريا في لبنان، وأعداء لبنان في سوريا، والعراب الإيراني سوف يبدأون في معايشة كابوس اسمه «دم الحريري».
ورغم أن الحريري قتل، وهو يعتقد أنه يستعصي على القتل، فهو كان يردد نظرية علينا استعادتها اليوم أكثر من أي وقت وهي «نظرية الفاتورة الغالية التي سوف يتكلفها قاتلوه».
أقول ذلك، ليس نقلاً عن، ولكن عن حوار دار بيني وبين الشهيد رفيق الحريري قبيل إغتياله بأربعة أشهر، فى منزله بجدة.
يومها قلت له إن هناك كلاماً خطيراً وجدياً يتردد حول مخاطر تحيط بسلامته الشخصية.
ضحك وقال: ماذا تقصد؟ اغتيالي؟
ثم عاد وقال: اطمئنك يا عزيزى لن يتم اغتيالي؟
سألته مستغرباً: لماذا يا دولة الرئيس؟
أجاب: لأنني خط أحمر يخشى الجميع أن يتجاوزه.
سألته: كيف؟
قال: أنا فى الحقيقة عدة خطوط حمراء وليس خطاً أحمر واحداً، فأنا خط أحمر سني، وخط أحمر سعودي، وخط أحمر فرنسي، وخط أحمر أمريكي، وخط أحمر أوروبي، وخط أحمر مصري، والأهم من ذلك كله خط أحمر لبناني.
ثم عاد وقال: من سوف يدفنني، سوف عاجلاً أو آجلاً، سيدفن بجانبي!
قالها الشهيد رفيق الحريرى، بكل براءة السياسي المدني الذي لا يعرف سياسات العصابات الدموية، والحمد لله أن خالقه ترفق به حتى لا يعاني مثلنا وهو يرى الأوضاع فى لبنان قد تدهورت ووصلت قاع القاع، إلى حد أن الجميع «قاتليه ومؤيديه»، أي ٤.٥ مليون لبناني سوف يدفنون بجانبه!
لك الله يا لبنان، رحم الله الشهيد رفيق الحريري، ورحم الله شعب لبنان العظيم.