أقامت مطرانية طرابلس المارونية إفطارها الذي درجت سنويا على إقامته على شرف مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، في معهد مار يوحنا للتعليم العالي، في بلدة كرم سده في قضاء زغرتا، في حضور رئيس أساقفة الأبرشية المطران جورج بو جوده، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار على رأس وفد من المشايخ، الى حشد من الفاعليات السياسية، النقابية، الاقتصادية، الاجتماعية، التربوية، والامنية، ورجال دين.
وألقى المطران بو جوده كلمة في المناسبة قال فيها: "لقد تقاطع، هذه السنة شهر رمضان وصومه الكريم مع شهر الكرامة والمحبة، شهر أيار، شهر تكريم أمنا العذراء مريم، فتداخلت ترانيم صلواتنا مع تراويح شهر البركة في حركة شكر وتسبيح للباري تعالى على جزيل عطاياه. ستنا مريم، كما يحلو للمسلمين أن ينادوها، هي مثال المؤمن الملتزم بعبادة الإله الواحد، لنا بثباتها على القيم الروحية والإيمانية خير مثال يحتذى عن طواعية الحب المفضي الى الكمال. في هذا المساء، تغمرنا مشاعر المودة لكم يا صاحب السماحة لما تمثلون من قيم روحية وإنسانية، خبرناها بتفاصيل تواصلنا اليومي، قيم راسخة في حب الانسان، في البحث الدؤوب عن الصلاح والسلام والسماح والغفران. وكم نحن بحاجة الى الغفران، الى تنقية الذاكرة من شوائب ظلال الموت، غفران ينقي الذاكرة بزوفى اللقاء والحوار الدائم. يدا بيد نبني الغد ونرتقي بالإنسان الى سموه المطلق، الى إشراقات من روح الله الذي يجدد فينا نقاءنا الأول صورة بداياتنا الجميلة".
وتابع: "ما يجمعنا اليوم هو أبعد من الخبز والملح، يجمعنا هذا التراب الواحد، تراب الوطن الذي نحن منه واليه نعود. وليس غريبا على أبرشية طرابلس المارونية أن تشكل علامة فارقة في علاقات الأخوة والتقارب بين مسلميها ومسيحييها، وهي ما فتأت تسعى لأن تقوي هذه العلاقات وتعززها، وتبحث عن مساحات جديدة للقاء والحوار والتعاون المثمر بين كل ذوي الإرادة الصالحة. هنا لا بد لنا من أن ننوه بما تقوم به من نشاطات ولقاءات مباركة "الشبكة المستدامة لرجال الدين في الشمال"، التي تضم ببركتكم وتشجيعكم يا صاحب السماحة، ويا اصحاب السيادة، عددا من الكهنة، والمشايخ، والعلمانيين الملتزمين. كما ونتطلع معكم إلى المزيد من التعاون والتواصل والعمل المشترك لما فيه خير مديتنا ومنطقتنا وبلادنا".
وختم بو جوده يقول: "إننا نشكر الرب على ما حصل في الفترة الاخيرة من انتخاب لممثلي الشعب في المجلس النيابي، والذي على الرغم من بعض النواقص والانتقادات من قبل البعض، اخرجت البلاد من جو الضياع الذي كادت تقع فيه، بسبب عدم القيام بهذا الاستحقاق الدستوري منذ سنوات عديدة والتي اوصلت الاوضاع الاقتصادية الى الحضيض. فكلنا مدعوون لوضع ايدينا بأدي بعضنا البعض والتعاون مع السلطات المدنية على اخراج البلاد من ازمتها التي طالت طويلا، والى دعم جيشنا اللبناني الباسل، وقوى الامن الداخلي، وسائر القوى الامنية على ترسيخ الامن والسلام والاستقرار كي يعود لبنان الى ما كان يميزه منذ القديم كبلد ليس كغيره من البلدان، بل بلد رسالة للشرق والغرب والعالم اجمع على ما قال البابا يوحنا بولس الثاني".
الشعار
ثم تحدث المفتي الشعار فقال: "كأننا ننتظر في كل عام هذا اللقاء الموعود الى مائدة كريمة عامرة يسودها الحب قبل الطعام، ويتحفنا دائما اخي صاحب السيادة بنبل مشاعره وصدق عاطفته، ولو اردت ان ارددها كلمة كلمة في المسجد المنصوري الكبير لما اخطأت في واحدة منها لأن الكلام عندما ينبع من عمق الايمان والفهم الصحيح للسر الانساني في الحياة، عند ذلك يتلاقى اهل العقل ويتجانس اهل الرأي ويتكاتف اهل النظر وتتحد مسيرة اللقاء الانساني والوطني والديني مهما كان الخلاف لأن مساحة اللقاء والتجانس اكبر بكثير من نقاط التباين في الرأي او المعتقد".
أضاف الشعار: "إذا اردت ان اتناول الكلمة الاخيرة التي انهى بها المطران بو جوده كلمته من التمنيات وان تسود وتعم المحبة، فأنا لا اتصور دينا ولا اتصور مسلما لا يفيض قلبه بالحب، و الا كيف يتمنى الانسان الخير للغير وكيف نتناول حديث النبي خير الناس ليس خير المسلمين ولا خير السنة ولا خير الشيعة او خير الاورثوذكس او خير الاقباط بل خير الناس انفعهم للناس؟ كيف نحمل الخير للاخرين اذا لم تمتلئ قلوبنا بالحب، اذا لم نمارس هذا الحب. نحن قوم لا نستطيع ان نعيش بدون حب ويخطئ من يعتقد ان الحب كلام الشعراء او من مفردات المراهقة او هو خاص بالجنس الاخر. الحب قضية الانسان بعد الايمان هذا الايمان لا يكتمل بدون حب والذين آمنوا هم اشد حبا لله كمال المحبة للخالق الذي اوجد وانعم واعظم وابدع صاحب المنة والجود والكرم والاحسان".
وتابع يقول: "نحن كلنا ابناء اب اذا نحن اخوان ابونا واحد وامنا واحدة ونحن اخوة في الوطن. واسمحو لي ان اقول كلاما جريئا: الدين واحد. الرسالات السماوية تعددت لكن مجموعها يمثل الدين الذي ارتضاه الله للبشر وانزل على الانبياء هذا الحب. وطننا ومجتمعنا بحاجة اليه، الشمال نموذج نادر للتعايش والتعاون والحب والتواؤم بين المسلمين والمسيحيين، نحن نموذج ينبغي ان نكون للعالم. لا يمكن ان يسود السلام مع قلوب مبغضة ومعتمة ومظلمة، السلام والامن لا يتحققان إلا من خلال نفوس صافية وقلوب مؤمنة ومحبة".