عاد اسم "المنطقة الخضراء" يتردّد كثيراً عبر وسائل الإعلام، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدّة التوتّر في المنطقة على خلفية اغتيال قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني"، اللواء قاسم سليماني، ونائب رئيس "الحشد الشعبي العراقي"، أبو مهدي المهندس، وآخرين، في غارة أميركية استهدفت موكبهم، فجر الجمعة، بالقرب من مطار بغداد الدولي.
وأفادت وسائل إعلام عن سقوط عددٍ من الصواريخ خلال الأيام الماضية في "المنطقة الخضراء" في العاصمة العراقية بغداد، وهي منطقة تُعتبر شديدة التّحصين وتضم مقارّ الحكومة والبرلمان العراقيَيْن إضافة إلى عددٍ من سفارات الدول العربية والغربية من بينها السفارة الأميركية.
وأنشأت القوات الأميركية بعد غزو العراق عام 2003 ما يسمّى بـ"المنطقة الخضراء"، وذلك بحثاً عن منطقة أكثر أمناً لمسؤوليها ومقاوليها وأسرهم، حيث تدير منها شؤون البلاد.
ووقع الاختيار على حي "كرادة مريم" (المنطقة الخضراء) في بغداد، وهو المكان الذي يعدّ أكثر المواقع العسكرية تحصيناً في العراق، وهي منطقة معزولة تبلغ مساحتها 10 كلم مربّع، ومحاطة بجدرانٍ خرسانية مقاومة للإنفجار وأسوارها عالية وشائكة. ولـ"المنطقة الخضراء" بوابات عديدة منها "بوابة القدس" و"بوابة وزارة التخطيط" و"بوابة القصر الجمهوري".
وقبل الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 اتّخذ الرئيس العراقي السابق صدّام حسين وحزب "البعث" الحاكم في العراق من منطقة الكرخ التي تقع في الجزء الغربي من بغداد مركزًا إداريًا لهم.
وقد عرفت هذه المنطقة من الكرخ بأسماء عدّة منها "كرادة مريم" و"الحي الدولي" و"المنطقة الخضراء".
وكانت "المنطقة الخضراء" تضمّ الحيّ الدولي وبه القصر الجمهوري حيث كان يقيم صدام حسين، والمباني الإدارية وبعض الوزارات بالإضافة إلى سفارة الولايات المتحدة، وسفارة المملكة المتحدة بالإضافة إلى بعض المجمّعات السكنية للعاملين والموظفين التابعين لهذه المؤسسات. وكان هذا الحيّ منعزلاً ومحصّناً عن بقية أحياء بغداد، وكانت التدابير الأمنية فيه على مستوى عالٍ جدًا.
بعد الغزو الأميركي للعراق
في الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 كان المُخطّط الأميركي يتبع خطة "الصدمة والرعب" بالإنكليزية "shock and awe" وهي خطة تقتضي تكثيف القصف على المناطق الحيوية لإخضاع العدو في وقت قياسي. ورغم اتباع هذه الخطة في السيطرة على بغداد، لم يتم استهداف هذه المنطقة في الحرب بشكل مباشر، كما أنّها لم تسلم من بعض الأضرار الناتجة عن أطنان المتفجّرات التي سقطت على المدينة إبّان الغزو.
بعد سقوط بغداد في أوائل شهر نيسان عام 2003، دخلت قوات "التحالف" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى بغداد، وكانت تبحث عن أكثر المناطق أمنًا لتتخذه مقرًا لها.
وقع اختيار قيادة "التحالف" على منطقة الحيّ الدولي كأكثر المناطق أمناً حيث يمكن للقوات الأميركية التمترس فيه.
وقام جاي غارنر رئيس فريق إعادة الإعمار، بإنشاء مقرّه في القصر الجمهوري السابق، كما تمّ أخذ البيوت الأخرى من قبل مجموعات من المسؤولين الحكوميين والمقاولين من القطاع الخاص.
حين دخلها الأميركيون لم تكن المنطقة خاليةً فقد وجدوا في المنطقة نحو 3 آلاف وحدة سكنية مأهولة، قامت القوات الأميركية بطرد أصحابها لتأسيس ما يسمّى بـ"المنطقة الخضراء"، ومنحت الحكومة أصحاب تلك المنازل مبالغ مالية كبدل إيجار ثمنًا لإشغال منازلهم.
في النهاية استقرّ حوالي 5 آلاف مسؤول ومقاول مدني في "المنطقة الخضراء".
تجهيزات وتأمين المنطقة الخضراء
وكانت المنطقة الخضراء محاطة بالكامل بجدران خرسانية مقاومة للانفجار وأسوار عالية وشائكة. وكانت المنافذ المؤدية إليها محدودة جدًا وتشرف عليها نقاط مراقبة مسلحة، تتبع لسيطرة قوات "التحالف." وأضاف هذا الحزام الأمني لـ"المنطقة الخضراء" المزيد من التأمين، وأعطاها وصفاً أصبح يطلقه سكان بغداد عليها وهو "الفقاعة" حيث يعبر عن عزلة المنطقة وانقطاعها عن محيطها.
ويحمي "نهر دجلة" الجانب الجنوبي والشرقي من المنطقة، وتحميها الأسوار المرتفعة من الجوانب المتبقية، يعتبر المدخل الوحيد للمنطقة من جانب دجلة هو جسر "14 يوليو" وهو اسم يشير إلى التاريخ الذي وصل فيه النظام السابق إلى السلطة.
وتعرضت المنطقة بعد غزو العراق واستقرار قوات التحالف والحكومة الانتقالية فيها إلى سلسلة متواصلة من التفجيرات والقصف الصاروخي والمدفعي من قبل العديد من الجماعات المسلحة العراقية. فقد كان تجمع القوات الأميركية والحكومة الموالية لهم في منطقة واحدة مغريًا للحركات المسلّحة العراقية، وأصبح أكثر الأحياء استهدافًا في بغداد.
بعد انسحاب القوات الأميركية
بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية عام 2011، تمّ تحويل العديد من المنشآت في "المنطقة الخضراء" إلى الحكومة العراقية الجديدة. مع بقائها قاعدة للمتعاقدين العسكريين الغربيين، ومقرًا للسفارات الأميركية والبريطانية والأسترالية والمصرية. بالإضافة إلى الموظفين الدبلوماسيين الدوليين وأسرهم وفيلات الموظفين المهمّين الآخرين، بما في ذلك رئيس الوزراء العراقي وأعضاء مجلس البرلمان وكبار الشخصيات والشركات الخاصة والحكومية المهمة.
ويتولى الجيش العراقي الآن تأمينها وحمايتها مع مساعدة من بعض القوات الخاصة. ولا يمكن دخول المنطقة الخضراء إلا إذا كان لدى الشخص تصريح دخول صادر عن الحكومة العراقية.
تواريخ مهمّة عن "المنطقة الخضراء"
- في العام 2004، وقع تفجيران في "المنطقة الخضراء" أدّيا إلى تدمير سوق ومقهى فيها.
- في العام 2007، انفجرت قنبلة في كافتيريا البرلمان أدّت إلى مقتل برلماني وإصابة 22 آخرين.
- في العام 2008، تعرّضت لهجمات سقط فيها عددٌ من المدنيين والعسكريين بينهم جنديان أميركيان.
- في 1 كانون ثاني 2009 تم تسليم السيطرة الكاملة على المنطقة الخضراء لقوات الأمن العراقية.
- في العام 2010، قُتل 3 مقاولين وأصيب 15 بينهم أميركيان في هجوم صاروخي عليها.
- في 4 تشرين أول 2015، تم فتح "المنطقة الخضراء" لعموم الشعب العراقي مع بعض القيود.
- في 10 كانون الأول 2018، تمّ فتح أجزاء من "المنطقة الخضراء" أمام الشعب بدون قيود للمرة الأولى منذ أكثر من 15 عاماً.
المصدر: الجزيرة - عربي 21