التبويبات الأساسية

أسوأ من «دومينو العتمة» الذي جعل المناطق اللبنانية تقع الواحدة تلو الأخرى في «قبضة ظلام» أَنْذر بأن يصبح شاملاً، هو بروز مَخاوف من أن يكون انقطاع الكهرباء الذي «زحف» تباعاً نحو المنازل امتداداً لـ «خط التوتر العالي» الذي وُضعتْ عليه مجدداً العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري على خلفية مرسوم منْح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 في الجيش اللبناني.

وبدا من الصعوبة بمكان فصْل البُعد التقني لـ «أزمة الظلام» التي بدأت في 18 ديسمبر الماضي تاريخ إعلان نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان الإضراب المفتوح على خلفية موضوع سلسلة الرتب والرواتب عن المنحى الذي تسلكه «حرب الرئاستين» (الجمهورية والبرلمان) التي تدور في جانب منها تحت عنوان مضمر هو «مظلومية» المكوّن الشيعي في السلطة التنفيذية والرغبة في تكريس توقيعٍ له داخلها الى جانب رئيس الجمهورية (المسيحي) ورئيس الحكومة (السني) عبر وزارة المال التي يراد تثبيتها لهذا المكّون استناداً الى مداولات اتفاق الطائف التي لا تزال «في العتمة».

وإذا كان «مأزق المرسوم» ما زال يدور في حلقة مفرغة وسط اصطدام المساعي حتى الساعة بعدم القدرة على اجتراح مَخرج يُرضي عون المتمسك بدستورية صدور المرسوم من دوم توقيع وزير المال (لعدم اختصاصه وعدم ترتيب المرسوم أعباء مالية فورية) وبري الرافض أي تَجاوُز لوزير المال والذي يغمز من قناة وجود نية لدى الرئاسة الاولى للعودة الى نظام ما قبل الطائف، فإن ملف الكهرباء الذي أطلق احتجاجات شعبية في أكثر من منطقة يوم السبت واستدرج «انتفاضة غضب» على مواقع التواصل الاجتماعي، دخل أمس في سباق بين العتمة شبه الكاملة التي كانت تلوح ابتداء من اليوم وبين محاولات ايجاد صيغة تلبي مطالب عمال ومستخدمي الكهرباء، وهو المسار الذي يرتبط بأزمة المرسوم لكون طرفيْها على تماس مباشر مع قضية الإضراب عبر وزارة الطاقة (محسوبة على حزب الرئيس عون وهي وزارة وصاية على مؤسسة الكهرباء) ووزارة المال (محسوبة على رئيس البرلمان).

وفيما كانت أوساطٌ سياسية تشير الى أن «الجنرال عتمة» الذي أطلّ برأسه حمَل في طياته أكثر من رسالة برسْم «الرئيس الجنرال» (عون) وعهده، فإن الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه أمس خلال اجتماع وفد نقابة عمال ومستخدمي «الكهرباء» مع وزير الطاقة، بحضور رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، وأسفر عن إعطاء التعليمات للبدء فوراً بمعالجة الأعطال وتأمين إمداد بواخر الكهرباء والمعامل بالفيول، يبقى أمام محكّ الاجتماع النهائي المقرَّر اليوم مع وزير المال علي حسن خليل لوضع الصيغ التنفيذية لهذا الاتفاق تحت طائلة العودة الى الإضراب الشامل.

ورغم الانطباع بأن هذا الملف الداهم الذي تحوّل «الرقم واحد» على الاهتمامات الرئاسية في «الويك أند» يقترب من الطيّ النهائي اليوم، فإنه أعطى إشارة قوية الى التفاعلات التي يمكن أن «تتوالد» من «معركة» عون وبري حول مرسوم الأقدمية والتي يمكن أن تطول أكثر من قضية حيوية، علماً أن العتمة المتدحْرجة حُمّلت المسؤولية عنها شعبياً الى مجمل الطبقة السياسية والحكومة التي أُخذ عليها ترْك هذه الأزمة تتمادى لدرجة إمكان تفجير توترات في الشارع يمكن أن «تصبّ الزيت على نار» خلافاتٍ سياسية محمّلة بخلفياتٍ ذات صلة بالتوازنات الطائفية داخل النظام.

وكانت لافتة أمس إطلالة رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد على «أزمة المرسوم» بين حليفيْه عون وبري، معلناً ضمناً تأييد الحزب وجهة نظر رئيس البرلمان مع الدعوة الى معالجة هذا الملف «بالتريّث» و«في ضوء وثيقة الوفاق الوطني والدستور واحترام الصلاحيات»، وبما يحفظ «معنويات بعضنا إذا كانت بعض وجهات النظر تحتاج إلى ذلك» في إشارة غير مباشرة الى الحاجة لحلّ لا «يكْسر» رئيس الجمهورية.

وقال رعد: «لدينا وجهة نظر تتقارب إلى حد بعيد مع وجهة آخرين من المختلفين، ولكننا مع ذلك لا نسوّق وجهة نظرنا للتحريض وللاصطفافات، وإنما نسعى لبذل جهد حقيقي ومخلص من أجل ترتيب التوصل إلى قناعة واحدة تحفظ البلد، أو على الأقل تحديد مرجعية لحل النزاعات المقبلة، لأننا سنواجه الكثير من المشاكل، وإذا قمنا عند كل مشكلة صغيرة أو كبيرة بوضع مصير البلد على المحك، فأين سنذهب بالبلد وشعبه».

واذ أكد أنه «عندما تصبح وجهة النظر محل لغط وانقسام بين اللبنانيين، فيجب علينا أن نتريث، وهذا ما دعونا إليه في الأيام الأخيرة»، لفت الى انه «إذا اختلفنا من أول موضوع، ويكون الاختلاف دستورياً ويمس الطائف وينهي المرجعية التي تسقط البلد، فأين سنذهب بهذا البلد حينها».

صورة editor11

editor11