تراجعت هيبة الإعلام الورقي في لبنان والعالم مقارنة مع ما أصبح يسمّى بالإعلام الجديد وهو الإعلام الرقمي المتمثل بالمواقع الإلكترونية سريعة الإنتشار، والتي تغطي الأحداث على مدار الساعة على عكس الصحف التي غالباً ما يكون مضمونها مبنيّاً على أحداث اليوم الفائت. ومما لا شكّ فيه أنّ الصحافة الورقية تمرّ بأزمة في كثير من دول العالم، حيث أن النسبة الأكبر من القراء اتجهت إلى الوسائل الحديثة، وهو ما أثر بشكل كبير على نسب بيع الجرائد، لأن الأخبار جميعها أصبحت متاحة على "السوشيال ميديا"، فضلًا عن المواقع الإلكترونية للجرائد التي أصبحت تقدم خدمة سريعة وأفضل بكثير. فما هي العوامل والأسباب التي جعلت شراء الصحيفة وقراءتها أمرا صعبا بعدما كانت في يوم من الأيام رمزا للثقافة والمثقفين؟ وما هو دور التمويل؟ وهل تتحمل التكنولوجيا مسؤولية في هذا الموضوع؟
في بحث بسيط على الشبكة العنكبوتية عن حال الصحافة الورقية في العالم العربي تتضح لنا جلياً الأزمة التي تعاني منها حتى في الدول الخليجية والمتقدمة ماليا عن سواها. فالإعلام الرقمي والذي بات الوجهة المفضلة والرئيسية لدى أغلبية القراء على مختلف الفئات الثقافية والعمرية بات الأول من دون منازع، حيث أنه أتاح للجميع وسيلة التفاعل المباشر مع الخبر وأعطاهم مساحة كبيرة للتعبير عن آرائهم بحرية ومن دون قيود. والحديث هنا عن وسائل التواصل الإجتماعي التي اقتحمت خط الإعلام، بحيث باتت لكل وسيلة إعلامية صفحة على موقعي "فيسبوك" و"تويتر" تعتمد فيها على الإنتشار السريع لأخبارها وبرامجها.
ومما لا شك فيه، فإنّ الإعلام الرقمي سيف ذو حدين، بحيث ان اعتبار النمط السريع وسهولة الاستخدام هي من مزايا الإعلام الإلكتروني الجيدة ولكن مساوئها ليست بقليلة، فهذا المنبر المجاني الذي فتح هواءه لكل الفئات، سمح لأي كان بالتطفل على مهنة الإعلام والصحافة، وهو أمر لم يكن متوافرا أو مسموحا به قبل عصر ما يعرف بـ"السوشيل ميديا". ومن العوامل التي ساعدت أيضا على انتشار ثقاقة المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي قلة التكلفة وعدم الحاجة إلى فريق عمل كبير، إضافة إلى لا مركزية الإدارة. فالنشر على الموقع أو الصفحة لا يحتاج إلى الحضور الشخصي إلى المكاتب ولا إلى المطبعة، بل لا يتطلب الأمر أكثر من جهاز كمبيوتر محمول ووصلة إنترنت او هاتف ذكي ليتحقق الغرض.
انعدام السّياسة
يشرح ناشر جريدة السفير الاستاذ "طلال سلمان" في حديث لـ "لبنان24" أسباب تراجع متابعة الصحف الورقية في لبنان، ويعزو السبب الرئيسي في ذلك إلى "انعدام السياسة" في كل المنطقة العربية من مغربها إلى مشرقها. ففي ظل غياب الأحزاب والنقابات والأندية والتجمات ذات الطابع الفكري والثقافي التي تكاد تندثر، مضاف إليها الكارثة الكبرى المسماة "هواتف ذكية"، كل هذه الأسباب وما يرافقها من تطور تكنولوجي بشكل عام جعلت من الصحافة الورقية في أسفل أولويات القارئ الذي لم يعد يهتم لقراءة الكتب حتى.
يضيف سلمان: نحن نقترب من عصر الأمية المطلقة التي ستلغي الصراع السياسي والصراع الفكري وتجعل من الصورة العارية أهم من المقال. يكمل سلمان: الشق المالي والإعلاني هام بطبيعة الحال لكنه ليس كافياً. فالأساس هو السياسة، كما أسلفت. فالأخ مصطفى ناصر إستطاع تأمين المال وصحيفته (الإتحاد) ستقفل بعد عدة أيام على رغم إطلاقها منذ وقت وجيز، إذاً فالمال من دون سياسة لا يكفي.
ويختم سلمان بأن نسبة التراجع التي حصلت كبيرة. فنسبة توزيع الصحف اليوم في لبنان لا تتعدى الـ 15 ألف نسخة يوميا في أحسن الأحوال بينما كنا نحن كصحيفة "السفير" ومعنا صحيفة "النهار" نوزع أكثر من 100 ألف نسخة منذ السبعينات حتى مطلع التسعينات.
وردا على سؤال حول إمكانية عودة صحيفة "السفير" إلكترونيا كما أشيع في الفترة الأخيرة نفى سلمان الأمر قائلا: "نحن أدينا قسطنا للعلى، وقرار إقفال "السفير" نهائي.
صحافة الهواة
لا يمكن لأي مراقب أن يتجاهل بأن وسائل التواصل الاجتماعي قد أحدثت ثورة اعلامية وفرضت نفسها منافساً جديا يهدّد عرش وسائل الإعلام التقليدية، بحيث أصبحت مرجعاً يعتمد عليه الكثيرون في استقاء الأخبار حول العالم، ولعلّ المتابعة لأحداث ثورات الربيع العربي كانت خير مثال، حيث دأب الناشطون على نقل الصور والفيديوهات والأخبار عبرها الأمر الذي جعل منها مصدراً أساسيا لا غنى عنه. ويبقى السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه عند معالجة مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على تراجع الإعلام الورقي والصحافة عموماً، ماذا عن المصداقية؟ حيث أن أغلب العاملين في تلك الوسائل هم هواةٌ يفتقرون للمهنية، فضلا عن غياب الدقة والحيادية وعدم الالتزام بالضوابط الصحافية، الأمر الذي يثير الشك حول صحة الأخبار والمعلومات التي تتناقلها هذه المواقع.
إذاً فإنّ أفول نجم الصحافة التقليدية بات أمراً واقعاً مع تضاؤل جمهوره يوماً بعد يوم، الذي بات لا يملك الوقت لقراءة الصحف أو متابعة اخبار التلفزيون، فاستسهل الانتقال نحو عالم "الانترنت" واعتباره مصدراً للمعلومات محتملاً، اذ يتأرجح ما بين الخطأ أو الصواب في نقل المعلومة. وفي حين يرى البعض أن الثورة الإلكترونية هي انتهاك لخصوصية الإعلام، نجد أنه لا يجوز أن نلغي أهمية مواقع التواصل، إذ أصبح لها حضورٌ قويٌ على الخارطة الإعلامية وأصبح الناشط الذي يحمل لقب "المواطن الصحفي"، يُحدث أثراً في عملية جمع ونقل وتحليل ونشر الأخبار والمعلومات ومناقشتها على المنصّة الالكترونية، انما لا بدّ من الاعتراف أخيرا بأنّ المقارنة ما بين العمل الصحافي كمهنة تتطلب الجهد والسعي للبحث والتدقيق والمتابعة، اضافة الى الموهبة والقدرة على استنباط الخبر وتحليله وما بين النشاط الالكتروني، هو تداخل بين المفهومين يبدو ظالماً الى حدّ كبير فشتّان ما بين محترفٍ وهاوٍ!
(لبنان 24)