اسامة القادري
حال رجل الاعمال بهاء الحريري القادم الى عالم السياسة اللبنانية، تشبه قصته حكاية مزارعي القمح في احدى الامارات القديمة، حيث كانوا يخرجون عند كل موسم بعد انتهاء الإمارة من استلام المحصول، ليطالبوا الأمير بإقالة “الكيال” لأنه يغش في الكيل، (الكيل هو وعاء موحد الحجم والوزن المعروف بالمد 20 كيلغ) فبعدما شعروا بفارق الاوزان، بدٱوا يكيلون القمح قبل الذهاب الى “الكيال” (الكيال هو موظف بيت المال الذي يستلم المحاصيل). وعند استلامه يختلف الوزن عما قدروه بفارق كبير، لصالح الامارة فيقعون في خسارة ضخمة كل سنة، وفي كل مرة يتهمون الكيال بالسرقة، عندها يقوم الأمير بإمتصاص غضب المزارعين ومحاكمة “الكيال” وسجنه، ثم يقوم بتعيين كيال جديد، هكذا دواليك، يعودون الى دوامة سرقة القمح والمطالبة بمحاكمة الكيال، الى ان اتى أمير جديد بعد سنوات عديدة، فكشف ان الغش ليس في الكيال انما بـ”الكيل”، فتم محاكمة النجار الذي يصنع الكيل، هذا ما يحصل مع الشيخ بهاء الحريري الذي يستسهل اتهام “الكيال” بالسرقة ليغطي فشله في اثبات حضوره السياسي على الساحة اللبنانية.
متناسياً أن أي تجربة ما لم تتعرض للنقد الذاتي الجريء يبقى يدور في دائرة الفشل المفرغة ويراوح منتظراً الصدفة معتمداً على عامل تقطيع الوقت.
ولأن ما تعلمناه في كتب علم المنطق ان السياسة لا مكان فيها للتبرير، على قاعدة من يبرر لنفسه الأخطاء ويلبسها لفريقه، ليس صعب عليه ان يبرر المواقف السياسية القاتلة والاستيلاء على العباد والبلاد وممارسة القمع والفاشية، وربما الخيانة العظمى طالما يجد لنفسه مبررا لفعلته وفشله.
هكذا اصبح الفشل مبرراً ومعلقاً على شماعة “الكيّال” والحاشية وليس على المواقف المتخذة، كما انظمة الإستبداد تحمّل حاشيتها الفشل فتحاكمها لإسكات الناس.
في حالة بهاء القادم الى السياسة لم نقرٱ بعد اي فكر سياسي يعتمد، ولا رأي واضح في السياسة والاقتصاد، ولا موقف سياسي في أهم القضايا في المنطقة، ومنها القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي، فلم يصوّغ شكل الدولة التي يريد، مدنية علمانية ام طائفية محاصصتية، ولم يشرح ماهية النظام الذي يطمح اليه، ولا “علة” انطلاق “المسار” ورأيه في الحداثة.
ففي حالة بهاء القادم الى السياسة لم نقرٱ بعد اي فكر سياسي يعتمد، ولا رأي واضح في السياسة والاقتصاد، ولا موقف سياسي في أهم القضايا في المنطقة، ومنها القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي، فلم يصوّغ شكل الدولة التي يريد، مدنية علمانية ام طائفية محاصصتية، ولم يشرح ماهية النظام الذي يطمح اليه، ولا “علة” انطلاق “المسار” ورأيه في الحداثة.
من هنا أهمية النقد الذاتي الجريء انه يضع النقاط على الحروف ويفتح ابواب المصارحة ويقرب المسافة بينه وبين الجمهور.
اما في تجربتي “الشيخ بهاء رفيق الحريري”، انه اتى الى السياسة وارثاً بحسب اعتقاده بعد اكثر من 15 عام على اغتيال والده، مركزاً على استقطاب جمهور تيار المستقبل، انطلاقاً من اعتباره أن الناس هي جزء من إرث والده الشهيد ويحق له مقاسمة شقيقه سعد بهذا الإرث، وبهذا إهانة كبيرة لمحبي الشهيد.
فمرة اتهم المنتديات التي لعبت دوراً على هامش ثورة 17 تشرين، وعوّمت بهاء الحريري كداعم للثورة ومطالب الناس بمحاكمة الفاسدين، وفجأة تم اتهام رئيسها المحامي نبيل الحلبي المفترض انه صديقه الشخصي، بسرقة أموال طائلة، لينطفئ وهج محاولته فترة سنتين تقريباً، بعدها يعود من جديد انما من بوابة “سوا” التي رأسها سعيد صناديقي، فيما استمر بمخاطبة الناس عبر الأثير منتحلاً صفة الزعيم المنفي والمهدد بالقتل، حسب تبريره يومذاك. موهماً من معه انه قادم هو وشقيقه سعد الى لبنان في ذكرى استشهاد والدهما فيقراءان الفاتحة على الضريح ويتعانقان، ثم يغادر سعد الى حيث اقامته في الإمارات ويبقى بهاء الى جانب الناس، حاملاً الٱمانة على حد تعبير “البهائيين”، واذ في 14 شباط 2022 يحضر الرئيس سعد الحريري الى لبنان ينزل الى الضريح وحيداً كعادته خلافاً لما قالوه، مخاطرا بأمنه يلتقي بمناصريه ومحبيه، فيما بهاء خذل من خاطبهم ووعدهم انه سيأتي فاكتفى بكلمة مقتضبة عبر صفحات التواصل الاجتماعي مبرراً عدم حضوره بتهديدات امنية، بعدها بدأ محبو الشهيد رفيق الحريري ينفضون من حول حركته “سوا”، لتضمحل وتصبح كأنها لم تكن يلفها الدين المتراكم من اجارات ومصاريف وما شابه ومطالبات بالتسديد على كامل الاراضي اللبنانية، حتى انه امتنع عن دفع المستحقات المالية للعديد من الذين تفرغوا لإطلاق الحركة، وللمرشحين الذين بنى لهم قصور على شواطئه الرملية. وقبل الانتخابات بفترة اطلق حملة تشهير بقيادة حركة سوا، مع العلم ان مستشاره صافي كالو كان حاضرا ومكلفاً برئاسة سوا متدخلاً بكل شاردة وواردة، فظل كالو الوحيد بعيداً عن اتهامات بهاء لصناعة المبرر له..
واليوم من جديد يعود بهاء على “صهوة” الحديث عن ان وضع شقيقه الصحي غير مستقر، وذلك لن يسمح له بالعودة الى ممارسة العمل السياسي، وبحسب مسؤولو حركته، اثناء دعوتهم الناس للحضور، يقولون ان بهاء زار الرئيس سعد في باريس وبعدها زاره في الامارات مطمئنا الى صحته، وانهما اتفقا على دخول بهاء الساحة السياسية اللبنانية بإسلوب سلس، على ضوئه سعد يغادر السياسة كلياً، فيما قالت اوساط مقربة من الرئيس الحريري ان بهاء زاره مرة واحدة في باريس عندما خضع لعملية جراحية في القلب. ولم ويدر بينهما اي حديث كما لم يزوره في الامارات، واي كلام عن عدم عودة الرئيس سعد عار عن الصحة، انما هو عائد قريباً خلال الاسبوعين المقبلين.
وأمام هذه الهواجس والكم الكبير من المبررات التي سوقها “الشيخ بهاء” لا يخفي مسؤولون في تياره “المسار” توجسهم من ان يصيبهم ما أصاب الذين من قبلهم، ويتهمهم بالسرقة بعد فشله الواضح من خلال جولاته وقراءة الناس لمحتوى ما يقدمه لهم ونقمة الشارع “المستقبلي” من الإسلوب والخطاب.