التبويبات الأساسية

ما أضيق العيش لولا وجود زحلة، جملة تتكرّر على لسان أهل عروس البقاع الذين يجمعون على إعتبار مدينتهم مدينةً فاضلةً إستثنائيّة.
فهم ومهما إختلفوا وتباعدوا في الآراء السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة يلتقون على حبّ بلدتهم، الأمر الذي ميّزهم ووضعهم في المرتبة الأولى على قائمة الأبناء الأكثر وفاءً وإخلاصاً.

رجل الأعمال المميّز سمير صادر، هو أحد هؤلاء الأبناء المخلصين الذي تربطه بزحلة قصة غرام مجنونة لا تعرف حدوداً. فهو مخلص لها ولأهلها ولتاريخها النضالي العريق وكلّ ما يتعلّق بها، فهي بالنسبة له قلب الوطن الذي ينبض عنفواناً وكرامةً ورجولةً في كلّ زمان وعند كلّ إمتحان.

صادر الذي التقيناه في حوارٍ ضمن إطار العدد الذي تخصصه «برايفت ماغازين» لزحلة، قال: «هذه مدينةٌ منفتحة لكلّ الناس، أنا ولدت وترعرعت وتعلّمت وعملت هنا، لأنّ زحلة أجمل مدينة وناسها أطيب شعب، فهنا كلّ الناس تعرف بعضها وتحافظ على وجود بعضها».
وبالحديث عن مميّزات البلدة، يشير ابن المدينة وصاحب شركة لتوزيع المحروقات فيها، إلى أن زحلة تعدّ أكبر بلدة من حيث المساحة كما أن خدمة الكهرباء فيها متوّفرة 24 ساعة في اليوم والأمر نفسه بالنسبة لخدمة المياه، ويضيف: «إنّ أكثر ما يميّز المدينة في الحقيقة هو مناخها الرائع، بيئتها النظيفة وإكتفائها الذاتي على مختلف الصعد، فهنا توجد مدارس وجامعات عريقة بالإضافة إلى مستشفيات وكلّ ما يحتاجه الفرد لتأمين عيشٍ كريم».
نريد أن «نزّحلن» لبنان
و «نلبنن» العالم

ولا ينفي صادر إعتزازه بالعاصمة بيروت التي يعتبرها فخر العواصم، إلّا أن لزحلة طابعاً خاصاً وإستثنائياً، حيث يقول: «نحن تلامذة الشاعر العملاق سعيد عقل، لذلك نحن نريد أن «نزّحلن» لبنان و «نلبنن» العالم، فزحلة بالنسبة لأهلها هي عاصمة أيضاً لأنّها القلب النابض، فلا ننسى أنّها تتمتّع بموقعٍ جغرافي إستراتيجي، بحيث كانت تعتبر تاريخياً همزة وصل تجارية بين بيروت، دمشق، بغداد والموصل».
وفي هذا السياق أيضاً، يشير صادر إلى أن عروس البقاع تتمتّع بعصبٍ قويٍّ، فهي مزيّنة برجالها وأهلها الذين يلتفّون على بعض ويقفون جنباً إلى جنب للدفاع عن مصالح المدينة التي تحتضنهم جميعاً من دون تفرقة، ويتابع: «زحلة هي أقلّ مدينة يتواجد فيها عدد فقراء لأن العائلات تعتني ببعضها وممنوع أن يكون هناك جائعٌ»، ويضيف قائلاً: «زحلة عاصمة الكثلكة بالتأكيد ولكنها أيضاً مدينة التعايش الحقيقي».
هذا ويلفت المرشح السابق للإنتخابات النيابيّة، إلى أن المدينة كبرت وتوّسعت اليوم بعدما توافدت إليها عائلات من خارجها للسكن فيها، موضحاً أن المدينة تشكّلت بدايةً من العائلات السبع المعروفة تاريخيّاً وهي غرّة، بريدي، شاهين، سكاف، جحا، معلوف وبو خاطر قبل أن تتحوّل اليوم إلى بلدةٍ جامعة، مشدداً في الوقت عينه على أن الإختلافات السياسية والخلافات خلال الإنتخابات النيابيّة أو البلديّة تنتهي في لحظتها.
أمّا عن إفتقاد زحلة اليوم إلى مرجعيّات كبيرة على غرار الراحل الكبير جوزف سكاف، فيرى صادر ان المدينة تحتاج إلى بيوتٍ مفتوحة وشخصيّات جديدة تقف إلى جانب الإنسان وتقدّم له يد العون على مختلف الأصعدة والجوانب، معتبراً ان فكرة الزعامات لم تعد قابلة للحياة بظلّ دخول الأحزاب السياسيّة على الخطّ، فالأمور تغيّرت وتطوّرت بحيث لا مجال لوجود زعيمٍ آحادي كما كان يحصل في السابق. هذا ويشدد الأخير على وجوب النظر بإيجابية إلى هذا الواقع لأنّ من شأنه أن يدفع لبنان للتقدّم والخروج من التقاليد السياسية التي أوصلت الأمور في البلد الى هذه الحالة من التخبطّ والانحدار.
صادر الذي كان من أوائل الثوّار الذين نزلوا إلى ساحات الإنتفاضة في 17 تشرين، يؤكدّ أنّ إيمانه بهذا الوطن ثابتٌ لا يتزحزح، فيقول: «لبنان وطننا لن يموت لأنّنا أبناء القيامة، صحيحٌ بأنّنا نمرّ بظروفٍ صعبة بإعتبار ان نظامنا يتعرّض لخضّات أمنية وإنقسامات سياسيّة حادّة بين الحين والآخر، إنّما اليوم الخضّة هي ماليّة – إقتصادية صعبة، والمطلوب من كلّ المسؤولين على كافة المستويات اتخاذ أقصى درجات الوعي للخروج من الأزمة بأقلّ الأضرار الممكنة، رأفةً بالمواطنين الذين تحمّلوا ما لا يمكن لأحد من الشعوب تحمّله.
وبالحديث عن الوضع السياحي في هذه المدينة العريقة، فيلفت صادر إلى غيابٍ شبه تام لوزارة السياحة رغم ما تتمتّع به المدينة من معالم تستحق الإضاءة عليها، ففي زحلة على سبيل المثال توجد 56 كنيسة وهي تشكّل معالم دينية رائعة إضافةً إلى البيوت القرميدية التراثية، كذلك تنظّم المدينة في كلّ سنة مهرجانات الكرمة والزهور وهي مهرجانات رائعة بالفعل، وأيضاً هناك إحتفالات خميس الجسد وهو اليوم الأهمّ لأهل المدينة الذين يستفيقون باكراً على أصوات الأجراس والقداديس التي ترفع في مختلف الكنائس، وتنطلق من بعدها المواكب من الكنائس لتتلاقى أمام السراي، حيث تقام المنصة الرسمية وذلك كتخليدٍ للأعجوبة الإلهية التي أنقذت زحلة من وباء الطاعون منذ أكثر من مئة عام.

نحن نريد رجال دولة حقيقيين يترفّعون عن المصالح الفئويّة

وحول إذا ما كان لديه عتب أو نقمة على المسؤولين السياسيين لتقصيرهم تجاه المدينة والوطن، فيقول: «أنا أسأل كلّ مسؤول ماذا قدّمت للمدينة؟»، ويتابع: «في الحقيقية نحن نريد رجال دولة حقيقيين يترفّعون عن المصالح الفئويّة ويعملون لصالح هذا الوطن. فكما ينذر الراهب حياته لخدمة المسيح، هكذا يجب على السياسي أن ينذر نفسه لخدمة الوطن بأرضه وشعبه».
إنطلاقاً من هنا، يشدّد صادر على دور الشباب ويعتبره العنصر الأهمّ في هذه المرحلة، حيث يقول: «اليوم نحن نعوّل على الجيل الشاب المتعلّم، المثقف والطموح، فهؤلاء هم المستقبل الذي سيؤمّن لهذا الوطن وهذه المدينة الإنماء والتطوّر والإزدهار».
سنناضل للمحافظة على وجودنا وأرضنا وكياننا

وردّاً على سؤال حول إذا ما فكّر بالهجرة في هذه الظروف، يوضح صادر أنه أمضى حياته كلّها في زحلة رغم الظروف الصعبة أحياناً كثيرة، وتابع: «لا أدرك العيش خارج المدينة، لذلك لا أفكّر وأولادي بالهجرة، لأنّه في هذه الحالة سنكون مجرّد أرقام إضافيّة في بلدان الإغتراب، إنّما في لبنان لنا قيمة معنوية. من هنا، نحن سنناضل للمحافظة على وجودنا وأرضنا وكياننا، وسنعلّم الأجيال القادمة على القيم والمبادئ التي تربّينا عليها».
ويختم صادر حديثه لمجلتنا بالقول: «منذ زمن كان يُقال نيّال مين عندو مرقد عنزة بجبل لبنان، أمّا أنا فأقول نيّال مين عندو مرقد عنزة بزحلة. فهنا مدينة السهل والجبل، هنا مدينة الشعر والخمر، هنا عرين الأسود والأرض التي لا تموت».

صورة editor3

editor3