قبل أكثر من عام وتحديداً قبل التحركات الاحتجاجية غير المسبوقة التي شهدتها البلاد في 17 تشرين الأول 2019، لم يكن اللبنانيون يدركون حجم المصائب والكوارث التي كانت تنتظرهم خلال فترة قصيرة بالكاد تتجاوز السنة الكاملة.
فخلال هذه السنة وشهر تقريباً، عاش اللبنانيون سلسلة من الأزمات التي ربّما كانت جمراً تحت الرماد، لكنّ ثورة 17 تشرين الأول 2019 الشعبية الجارفة أظهرتها للعلن فاجتاحت التحركات الشعبية مختلف المناطق اللبنانية رفضاً للطبقة السياسية الحاكمة وسياساتها.
لكنّ "المصائب لا تأتي فرادى"، فمع استمرار هذه التحركات كانت تطلّ على اللبنانيين في كلّ يوم أزمة تتلوها أخرى، بدءاً من انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، ودخول البلاد في أزمة اقتصادية لم يشهد لبنان لها مثيلاً، مروراً بجائحة فيروس "كورونا" المستجدّ وتبعاتها الصحية والاقتصادية، وصولاً أخيراً إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت التي أودت بحياة 200 شهيد وأكثر من 6000 جريح إضافة إلى تشريد مئات الآلاف من منازلهم وتدمير نصف العاصمة.
كلّ ذلك جعل اللبنانيين أسرى لمشهد التداعي الحرّ لوطنهم على مختلف الصعد وهو ما انعكس سلباً على وضعهم النفسي حيث يمكن الجزم اليوم بأنّ كلّ اللبنانيين يعيشون حالة من الضغط النفسي أو الـStress من دون القدرة على التكيّف معها أو محاولة تخطّيها نتيجة فقدان الأمل بتحسّن هذا الواقع نحو الأفضل.
وفي هذا الصدد، تشرح المرشدة النفسية والأستاذة الجامعية، ديالا عيتاني، عبر "لبنان 24" أنواع الـStress أو الضغط النفسي التي يمرّ بها اللبنانيون، وبعض السبل والوسائل التي من الممكن أن تساهم في المساعدة على تخطّي هذا الواقع.
وبحسب عيتاني، فإنّ الضغوطات التي يعاني منها اللبنانيون اليوم، يمكن تقسيمها إلى 3 أنواع، هي:
- النوع الأوّل هو الـ cataclysmic أي الضغط الكارثي أو المستعصي الذي يصيب معظم الشعب وتسبّبه المشاكل الكبرى مثل وباء "كورونا" وكارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، والانهيار الاقتصادي والمالي وما نتج عنه من أزمات أخرى.
- النوع الثاني يسمّى الـ personal stress أي الضغط النفسي الشخصي، وهو ما يرتبط بالقرارات المصيرية لكلّ شخص كالتفكير بتقديم طلب هجرة وهو الهاجس الذي بات يراود كلّ لبناني، أو فقدان العمل والبحث عن فرصة عمل جديدة أو القرار بالزواج أو الطلاق أو غيرها.
- أما النوع الثالث هو الـ Background stressor وهو الضغط النفسي المرتبط بالأمور اليومية كزحمة السير أو تعطّل السيارة بفعل الأمطار، إضافة إلى المشاكل العائلية أو مشاكل العمل اليومية.
لكن وعلى الرّغم من تراكم الأزمات ومعاناة اللبنانيين من كافة أنواع الضغوطات، تؤكّد عيتاني أنّه يمكن التغلب عليها ببعض الوسائل والطرق.
وتشير إلى أنّه على اللبناني أولاً أن يتقبّل واقعه كما هو وألا يهرب منه بل يجب أن يدرك أنّه يمرّ بمرحلة صعبة ولكنّها ستمرّ، وأن يعي كذلك حقيقة مشاعره وأن يعبّر عنها لا أن يكتمها بداخله.
أمّا الخطوة التالية فهي، وفقاً لعيتاني، أن يعبّر الشخص عن مشاعره إمّا مع معالج نفسي متخصّص أو أن يقوم بكتابتها لكي لا تبقى بداخله.
وتشدّد المرشدة النفسية على أهمية ممارسة الرياضة كذلك كخطوة من شأنها مساعدة الشخص على التغلّب على الضغوطات النفسية، إذ أنّ الرياضة تساهم بزيادة نسبة هرمون السعادة في الدماغ (Endorphin) وخفض نسبة الهرمون المسؤول عن الضغط النفسي (Cortisol)، ما يساهم بالتخفيف من الآلام النفسية للشخص.
كذلك، يمكن أن يلجأ الشخص إلى المشي في الطبيعة أو أمام البحر لأنّ الحركة تساهم في إراحة الدماغ والتخفيف من الضغط النفسي.
كما يمكن اللجوء للاستماع إلى الموسيقى لما لها من تأثير على الدماغ، وتنصح عيتاني بداية بالاستماع للموسيقى التي تعبّر عن الحالة التي يمرّ بها الشخص، فإذا كان حزيناً يمكن أن يبدأ بالاستماع للموسيقى الحزينة ليشعر بأنّ هناك من يفهمه لينتقل بعدها إلى الموسيقى الإيجابية الصاخبة.
وتنصح المرشدة النفسية، الشخص الذي يعاني من الضغوط النفسية بأن يتواصل مع أشخاص إيجابيين في محيطه، كما تنصحه بكتابة الأمور الإيجابية والذكريات الجميلة التي مرّ بها في حياته.
ومن الخطوات التي يمكن الاستعانة بها كذلك، هي أن يقوم الشخص بتحديد هدف ولو صغير ينجزه خلال يومه لأنّ ذلك من شأنه أن يجعله يوجّه تركيزه نحو الهدف.
كذلك فإنّ مساعدة الآخرين خطوة مهمة تساهم في تخطّي الأزمات النفسية، فهي تمنح الشخص طاقة إيجابية وتخفّف الضغك عنه وتحسّن حالته النفسية ومزاجه.
وختاماً وفي حال عدم الوصول إلى نتيجة عبر هذه الخطوات، فإنّ عيتاني تدعو إلى اللجوء إلى معالج نفسي كي لا يبقى الشخص عالقاً في حالة الـStress التي من شأنها أن تولّد حالة اكتئاب تجعله أسير الماضي والحاضر أو تجعله في قلق دائم من المستقبل.