التبويبات الأساسية

أعتقد أنّ المجتمع الدولي لم يفكّ العزلة عن السلطة اللبنانيّة. هو كرّسّها. "على فوقا"، ليس هناك حصارٌ على لبنان. الحصار هو على إيران. لا أقول أنّ هذا أمرٌ جيّد. أنا أوصّف المشهد. لكن هناك عزلةٌ للسلطة اللبنانيّة بسبب الفساد. هذه العزلة تأكّدت عندما وُضِعَت المساعدات الإنسانيّة في عهدة الأمم المتّحدة.

أعتقد أنّ السلطة اللبنانيّة رضِيَت مجتمعةً بتهمة الفساد، بمعنى أنّها قبِلَت التُهمة وَلَوْ على مضض. في كلّ الأدبيّات السياسيّة الغربيّة منذ أشهر، هناك تهمةٌ واضحةٌ بالفساد. ارتفعت الوتيرة بشكلٍ لافت بعد الإنفجار. لم يعترض أحدٌ من أهل السلطة في لبنان على التُهمة. حاولوا تجنّبها. لكن بعد الانفجار، دويُّ التهمة كصوت الانفجار، وليس من معترض.

أعتقد أنّ من بين كلّ المؤسّسات اللبنانيّة، هناك مؤسّسةٌ واحدةٌ يثق فيها المجتمع الدولي هي الجيش اللبناني. دول العالم التي تريد المساعدة لا تتحدّث عن الحكومة، حتّى قبل استقالتها. تذْكُر الجيش فقط. وأعتقد أنّ هذا الأمر يزعج بعض السلطة أو ربّما كلّ السلطة خوفاً مِن أن يكون قائد الجيش مرشّحاً محتملاً لرئاسة الجمهوريّة. "بكّير كتير".

أعتقد أنّ السلطة اللبنانيّة غير قادرةٍ على رفض المساعدات علماً أنّها تُدرك أنّ المجتمع الدولي لن يوزّع أيّة مساعدة، عينيّةً كانت أم نقديّة، عبر الحكومة. السلطة تشبه الولد الذي تعاقبه أمّه لخطأٍ ارتكبه. هو لا يحرّك ساكناً لأنّه يدرك خطأَه. "ما بيناتيء".

أعتقد أنّ هناك إصراراً أميركيّاً وأوروبيّاً مدعوماً من الفاتيكان على إنقاذ الشعب اللبناني وليس على إنقاذ السلطة السياسيّة فيه، على عكس زمن سيدر 1 و2 و3. إنهيار الشعب اللبناني ممنوع.

أعتقد أنّنا أمام مرحلةٍ جديدة. عنوانها: تطويق لبنان من قِبَل المجتمع الدولي وليس عزله، وتكليف فرنسا من قِبَل المجتمع الدولي قيادة المبادرة.

أعتقد أنّ المقاومة لم ولن تقاوم التدخّل الدولي، أقلّه مرحليّاً. حزب الله لم يذهب إلى اتّهام المبادرة بشيء. قراءات البعض في خطاب سماحة السيّد الأخير ليست كُلّها في مكانها. إلتَهَتْ الناس بنفْيِه معرفة الحزب بمرفأ بيروت بالمقارنة بمعرفته بمرفأ حيفا. أفهمُ الناس. لكنّي أُريد أن أقرأ في خطابه عدم تعرّضه للدعم الدولي. لم يكن في كلامه إتّهاماً ولا اعتراضاً حتّى. السيّد لم يستفز الغرب بكلمة واحدة. هل هذا "التدخُّل" – من منظور الحزب – يريحُه؟ طبعاً لا. لكنّ الحزب يدرك أنّه لا يستطيع بسهولة أن يستمرّ في الدفاع عن السلطة، الحاضرة والسابقة. عندما كانت هي ملتهيةً "بتزبيط حالا"، التهَمَتْ في الطريق بعضاً من مصداقيّته.

أعتقد أنّ إيران ليست بعيدة عمّا يدور مِن نقاش في أروقة المجتمع الدولي حول لبنان. لم تعلّق إيران عليه سلباً. المرشد الأعلى للثورة السيّد علي الخامنئي علّق على الانفجار. لم يتطرّق إلى المساعدات. هو قال: "نحن متضامنون مع الشعب اللبناني العزيز ونقف إلى جانبهم". لم يصدر عن إيران السياسيّة، إذا جاز التعبير، أيُّ كلامٍ سلبي – أقلّه حتّى الآن – عن الدعم الدولي وحركة الرئيس الفرنسي ماكرون. "إيران محطوطة بالجو"، ورغباتها في الحسبان، على ما أظن.

أعتقد أنّ أميركا والغرب من جهة، يعترفان ضمناً بدورٍ لإيران ولحزب الله. وأعتقد أيضاً أنّ إيران والحزب يعترفان بدورٍ لأميركا. الخلاف بين الجهتين لا يكمن في الاعتراف المتبادل بمبدئيّة الدور. الخلاف يكمن في "حجم الدور" الذي يرضاه كلّ طرفٍ للآخر في لبنان وفي المنطقة. الإنفجار يسهّل قراءة الأدوار المتقابلة بشكلٍ أوضح. مؤسف، لكن هكذا هي الأمور في السياسة.

أعتقد أنّ النظام اللبناني بمعنى الـ System قد إنتهى. هو انتهى منذ سنوات، منذ الـ 2015. ناسُنا لم يصدّقوا. الناس تدافع عن مواقعها ومكاسبها عادةً حتّى الرمق الأخير. هذا ما فعلته السلطة. دافعت حتّى الرمق الأخير عن المكاسب.

أعتقد أنّ المنتفضين، أكانوا في الشارع أم في بيوتهم، ليسوا خائفين. الخوف ليس عليهم. الخوف على السلطة لأنّها في كلّ يومٍ تتنازل عن مكسبٍ لها. طبعاً الناس لا تريد من السلطة إلّا استعادة الأموال المنهوبة وهذا حقّ الناس. لكن السلطة تتنازل في كلّ يومٍ عن مكسبٍ حقّقته لنفسها، وذلك لصالح البلد. هي لا تفعل ذلك طوعاً. بعض السلطة ذكي. يتنازل من دون أن يوحي بأنّه يفعل ذلك. بعض السلطة ليس بهذا الدهاء السياسي. يقاتل بالسلاح الأبيض عن كلّ مكسبٍ شخصي وبشكلٍ نافر.

أعتقد أنّ المرحلة المقبلة ستشهد ولادة حكومةٍ جديدة. هذا بديهي. "ما اخترعت المَيْ السُخنِة" بهذا القول. الوجوه القديمة ليس لها مكانُ في رئاسة الحكومة. الرئيس الحريري يدرك ذلك. استبق عدم تعيينه بالقول أنّه غير معنيٍّ بالتحليلات والأخبار التي يتداولها الاعلام بشأن عودته الى رئاسة الحكومة. كان ذكيّاً. هو يدرك أنّ الموضوع برمتّه غير مطروحٍ الآن. كتلة التنمية والتحرير لم تطالب أمس بحكومة "وحدة وطنيّة" كما كانت تفعل دائماً. استعمَلَت مُصطلحاً جديداً في بيانها. طالبت الكتلة بتأليف حكومةٍ "جامعة". "مَغْمَمِتْها". كانت ذكيّة. الكتلة تدرك أنّ حكومات "الوحدة الوطنيّة" بالمفهوم اللبناني مسألةٌ غير مطروحة الآن. ركّزت الكتلة في المقابل على دور الحكومة وهو أن تكون: "قادرة على إنقاذ الوطن وإعادة ثقه أبنائه وثقة المجتمع الدولي والعربي بالدولة وأدوارها". كلامٌ واضح. يتناغم مع ما جاء ماكرون لتحقيقه.
أعتقد أنّ الحديث التفصيلي عن المؤتمر التأسيسي "بكّير شوي". لعلّنا دخلنا جدياً في الطريق. لكنّ الحديث عنه ما زال ينتظر خطواتٍ عمليّة على الأرض بسبب الإنفجار الكارثة.
أعتقد أنّ الانتخابات النيابيّة المبكرة، وعلى عكس ما يرغب البعض في رؤيته وأنا واحدٌ منهم، أمرٌ غير مطروح الآن. الأولويّة هي لتشكيل حكومةٍ توحي بالثقة للمجتمع الدولي، يتعاون معها الشرق والغرب، لا يرفضها أحدٌ في الداخل ولا في الخارج.
أعتقد أنّ التداول بدور الحكومة المقبلة قد بدأ في أروقة المجتمعَيْن الدولي والعربي. وكما قلتُ سابقاً، إيران ليست مُستَبعَدة. هي تدلو بدلوِها أيضاً. صمتُ حزب الله دليلٌ. دور الحكومة هو الأساس الآن. اللبنانيّون سيُبَلّغون هويّة الحكومة وأهدافها. هُم "شاطرين بالعربي"، فيضعون عندئذٍ كلّ ذلك في البيان الوزاري.
أعتقد أنّ الحديث عن إسم رئيس الحكومة ما زال مبكراً بعض الشيء. أعتقد أنّه سيكون من خارج الأسماء التي حرقها العمل السياسي. البعض استعجل تسمية أشخاصٍ من مثل نوّاف سلام. التسمية لن تحصل في اجتماعات القصر الجمهوري يوم الاستشارات النيابيّة من قِبَل رئيس الجمهوريّة. الكتل ستسمّي ما سيُهمس في آذان أشخاصها. الوزراء لن يكونوا "فاقعين". قد يكون البعض منهم موالٍ في السياسة لهذا الزعيم أو ذاك. لكن سيكون لهم شخصيّاتهم وآراؤهم أيضاً. وسيكون للمجتمع الدولي نوعٌ من الإشراف على أدائهم.
أعتقد أنّ الأحزاب في لبنان ستبقى موجودة ولا يستطيع أحدٌ أن يلغيها، ولعلّ إلغاءها ليس مطلوباً. لكنّ أدوارها لن تكون كما كانت. وأداء ناسها في الوزارات لم يعد مسموحاً لها أن تكون هي هي. في كلّ الأحوال، الآن مرحلةٌ جديدةٌ. لن يكون وزراء الحكومة من هؤلاء. سيرتاحون قليلاً. كسب الثقة في لبنان والخارج هو المطلوب اليوم. الزعماء بدأوا يدركون ذلك ويقتنعون، طبعاً على مضض.
أعتقد أنّ ما أعتقده ليس سهل التحقيق، لا في الإمكانيّة، ولا في الوقت، ولا على الأرض. لعلّ إعلان حال الطوارئ الذي يترافق عادةً مع أدوارٍ أكبر للجيش هو بداية ملمح التغيير. الوجع كبير والمشوار طويل، والأخطار المحدِقة كبيرة، لكن على الأقل هناك فرصة لإنقاذ الشعب.

صورة editor3

editor3