كتب خالد أبو شقرا في "نداء الوطن": في اللحظة الأخيرة وقبل برهة من الإنزلاق إلى بركان الإنهيار الشامل استُدعي صندوق النقد. التعتيم الرسمي الذي ما زال يُغلّف الدور الحقيقي الذي من الممكن أن يلعبه "الصندوق" لانتشال الإقتصاد من مأزقه، يقابل بالخشية من أن يكون وجوده مجرّد واجهة لتمرير الإجراءات القاسية التي عجزت السلطة عن فرضها في السنوات الماضية من دون إصلاح جدي، يساعدها على ذلك أن جسم الصندوق "لبيس".
محاولات السلطة البائسة لزيادة الإيرادات، وتحديداً منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب ما زالت حاضرة في ذاكرتنا. بعض هذه الإجراءات التي تتّسم بزيادة الضرائب ورفع الرسوم وتخفيض التقديمات الإجتماعية والصحية أُقرّ بشكل مباشر، فيما البعض الآخر أُقرّ مواربة، كتخفيض سلفة الكهرباء إلى 1.5 مليار دولار فيما الحاجة الحقيقية لا تقل عن 2.7 مليار دولار، وهو ما يعني صراحة زيادة التعرفة أو زيادة التقنين.الإجراءات القاسية سبقت
قبل الصندوق بأشهر وسنوات بطشت ضرائب موازنة العام 2019 بالإقتصاد. وللتذكير، فقد جرى رفع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 7 إلى 10 في المئة. وزيادة رسم 3 في المئة على الإستيراد. وتم اقتطاع 1.5 في المئة من معاشات التقاعد لموظفي القطاع العام، فيما علقت لجنة المال النيابية تحت ضغط حراك العسكريين المزيد من الاقتطاعات والحسومات كانت الحكومة تنوي تنفيذها. كما جرى التسويق لرفع الضريبة على القيمة المضافة الى 15 في المئة وزيادة الرسم على صفيحة البنزين بقيمة 5 آلاف ليرة مراراً وتكراراً.
كل ذلك جرى آنذاك لتخفيض عجز الموازنة وإقناع الدائنين في "سيدر" بتقديم الأموال. لكن لا الاصلاح تمّ ولا الاموال أتت، وعجزت السلطة عن تعيين الهيئات الناظمة، احد أبسط المطالب الدولية. فهل تكون غاية الحكومة من وجود صندوق النقد هي تمرير ما عجزت عنه في الماضي والاستمرار في اهمال الاصلاحات؟
التحجّج بالصندوق
نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني يرى أن "من الممكن لأي حكومة ان تتحجج بصندوق النقد الدولي لتنفيذ تدابير غير شعبية، والقول بانها أفكار أو مقترحات الصندوق".
مع صندوق النقد لا تستطيع الحكومة الاستنساب والطلب A la carte، فإذا قررت الإلتزام بقراراته عليها تطبيقها كاملة بما فيها الاصلاحات، وليس فقط الإجراءات التي من الممكن ان تكون موجعة. وعليه فان الحكومة والقوى السياسية المساندة لهذه الحكومة عليها تحمّل أي قرار تتّخذه، وان يكون الانقاذ قائماً على برنامج متكامل بغضّ النظر عن الجهة التي أعطت النصيحة أو قدّمت الدراسة. فصحيح ان الخيارات أمام الحكومة اليوم تبدو محدودة ولكن القرار بأخذ الاستشارة التقنية يعود لها حصراً بغض النظر ان اتت عبر صندوق النقد او أي جهة اخرى. مع العلم ان صندوق النقد يعطي استشارة شاملة وواسعة أكثر، تضم بعض الخطوات الاصلاحية والاقتصادية.
"مقاربة الموضوع تختلف عندما تعجز الدولة عن سداد مستحقاتها، والفشل في المضي قدماً بتسديد ديونها للجهات الخارجية والداخلية. عندها تصبح الحاجة الى طلب برنامج من صندوق النقد الذي يوفر بالإضافة الى المشورة الأموال اللازمة والضرورية في هذه المرحلة. فيضع الصندوق برنامجاً متكاملاً، ويتدخل مباشرة في القرارات التي ستتخذ للتأكد من ان هذا التمويل يُضخ في الاماكن المناسبة ويترافق مع الاصلاحات المطلوبة"، يقول حاصباني.الهمّ الاجتماعي
الإجراءات الواجب اتخاذها في الحالة اللبنانية يجب ان تلحظ ثلاثة جوانب رئيسية:
الاول، هو المالي الذي يرتبط بمالية الدولة وتنفيذ الاصلاحات البنيوية في الدولة والتي ترتبط مباشرة بتخفيض كلفة القطاع العام ووقف الهدر والفساد والحد من زيادة النفقات وبالتالي الانتهاء من العجز في الموازنة.
الثاني، يتعلّق بالسيولة النقدية الموجودة بالعملات الاجنبية وبالميزان التجاري.
الثالث، يتعلّق بالجانب الإجتماعي، اذ عندما يدخل البلد في مثل هذا المرحلة الصعبة تصبح هناك حاجة الى تنفيذ خطة واسعة النطاق تضمن وجود شبكة أمان والحد من الفقر خلال فترة اعادة الوضع الى طبيعته وهو ما تؤمّنه الجهات الدولية مثل البنك الدولي ويكون من ضمن العلاجات في حال البدء بتنفيذ الخطوات الاصلاحية.
أهمية هذه الجوانب برأي حاصباني توازي أهمية العمل على معالجة الديون وفوائدها، لان الإبقاء على حجم إنفاق كبير والاستمرار في الاستدانة وعدم حماية الطبقة الفقيرة ومعالجة المشاكل الاجتماعية يقوّض كل الجهود والمعالجات. الخوف اليوم يجب ان لا يكون من الصندوق إنما من عدم القيام باي خطوة جدية من قبل الحكومة، والدوران في حلقات من دون التوصل الى استراتيجية اقتصادية، مالية واجتماعية واضحة ومتكاملة، لها علاقة باصلاحات بنيوية جذرية في الدولة. الحل الجزئي هو ما يخيف وليس الصندوق.
المصدر: نداء الوطن