يجب المحافظة على سعر صرف الليرة بحدود معيّنة وإلاّ الإنهيار
هو أكثر من يدرك أهميّة مبدأ الثقة كعنوان دائم للنجاح والتقدّم، هو أكثر من يصرّ على تطبيق مبادئ الشفافية والمصداقية والموضوعية كواجبٍ أخلاقي قبل أن تكون واجباً مهنياً. فهو قدّس المهنة واعتبرها أمانة. أمانةٌ يتمّ الإعتماد عليها لاتخاذ القرارات الحاسمة التي من شأنها أن تترك أثراً مباشراً على الدولة والمؤسسات والناس.
من هنا، نجح نقيب خبراء المحاسبة المجازين المخضرم الأستاذ سركيس صقر في إضفاء نكهة خاصة على العمل النقابي بعدما حرص على تعزيز دور النقابة وحضورها على مساحة الوطن، بحيث تمكّنت من كثب ثقة المنتسبين إليها وباتت مرجعاً وحيداً في عالم المحاسبة، ذلك أن هذه الأخيرة لا تتهاون مع أي موضوع يتعلّق بمخالفة السلوك المهني في بلدٍ نحره الفساد على كافة المستويات.
وفي خضم الأزمة الإقتصادية والتعثر المالي الذي يعيشه لبنان، نتوّقف للحديث مع النقيب صقر عن آخر المستجدات والأجواء المُقلقة التي تسيطر على الساحة المحليّة مستفيدين من خبرته الطويلة في مجال التدقيق في التصاريح المالية وملاحقة الواقع الضريبي للمؤسسات. وفي ما يلي أبرز ما دار في الحوار:
- برأيكم، وأنتم تتابعون عن كثب الأوضاع المالية في البلد، لماذا إنفجر غضب الشارع في 17 تشرين الأوّل، وكيف الخروج من هذه الأزمة؟
ما حصل منذ ذاك النهار وحتى قبله هو أنّنا بلغنا مرحلة متقدمّة من إنعدام الثقة، بحيث فقد المواطنون الثقة بالقطاع المالي والطبقة الحاكمة، ولم يعد لديهم أي ثقة لناحية قدرة، حتى لا نقول رغبة، السلطات على إختلافها بتطبيق القوانين، وعندما يُفقد عامل الثقة لا يكون هناك أي مجال للإستثمار، الأمر الذي أدّى بطبيعة الحال إلى حصول شللٍ شبه كامل في الحركة الإقتصادية. أمّا الخروج من هذا النفق، فيتطلّب الإنصراف، بعد هدوء صخب الثوار، إلى إقرار قوانين وأنظمة من شأنها أن تعيد الثقة الى المستثمرين حتى يفرجوا عن أموالهم المجمّدة أو التي حُوّلت إلى حسابات خارجيّة حتى تعود الدورة الإقتصادية إلى نشاطها، وبالتالي يجب العمل على بناء ثقة متينة مع الجسم القضائي والطبقة الحاكمة وحتى النظام الضريبي، بحيث يقوم كلّ مسؤول في الدولة من أعلى الهرم إلى أصغر موّظف بالسهر من أجل ضمان تطبيق القوانين بعيداً عن المصالح الشخصية والزواريب السياسيّة المعتادة. فالعمل يجب أن يتركز على بناء دولة يكون المواطن فيها الزبون المفضّل، أي دولة تتمتّع بكافة المقوّمات القانونيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة بحيث تعمل على تأمين أفضل الخدمات لمواطنيها. من هنا، فإن الهدف يجب أن يتركز على إعادة تكوين مؤسسات الدولة وتأمين إنتظام العمل بها، من أجل ترميم جسر الثقة المفقود مع المواطنين.
- كيف تقيّمون وضع الليرة اللبنانية وهل من خطر عليها؟
الخطر على الليرة يمكن أن يكون بنسبة 100% أو 0% ، فإذا ما إنصرفت الحكومة المُقبلة، بغض النظر عن شكلها أو توصيفها، إلى تنفيذ إصلاحات جذريّة فلا يكون هناك خطراً داهماً على العملة المحليّة، فمن الممكن مثلاً اللجوؤ إلى إجراء إعادة إحتساب مقبولة كالأسعار التي يتداول بها الصرّافين. إنّما في حال الذهاب أبعد من ذلك، فسنكون أمام مشكلة إجتماعية خطيرة تكمن بإنعدام الطبقة المتوسطة وعندها سيكون الإنهيار. إنطلاقاً من هنا، يجب المحافظة على سعر الصرف بحدود معيّنة حتى نتمكّن من المحافظة على القدرة الشرائيّة لكافة الناس. لذلك يجب تأليف حكومة في وقت قريب على أن تنصرف إلى مقاربة الأوضاع ومعالجة الملفات الإقتصاديّة والماليّة بدّقة متناهية بحيث تعمل على صدّ جميع مزاريب الهدر حتى تحمي أموال الناس والمال العام، فالعبرة ليست في سنّ قوانين جديدة إنما بتطبيق النصوص القانوينة من دون إستنسابية.
- ماذا عن الدين العام الذي يسجّل رقماً قياسياً، كيف يجب التعاطي برأيكم مع هذا الواقع؟
سيكون للحكومة المقبلة مهمّات صعبة جدّاً، ومنها إنجاز خطة تمكّن الدولة من وقف الدين والدخول في مرحلة التسديد، لأّنّه بغير هذه الطريقة لا يمكن بناء دولة أو إقتصاد.
- كيف تنظرون إلى الإنتفاضة الشعبية، وهل تؤيدونها؟
لا شكّ بأنّ المطالب المعيشية الإقتصادية التي يطالب بها الناس في الشارع محقّة وأنا أؤيدها، إنّما أنا ضدّ إقفال الطرقات الذي يسببّ ضرراً كبيراً للناس، وأرى بأنه يجب اللجوؤ إلى طرق تعبير حضارية تحترم القوانين وتحتكم إلى المواد المنصوصة في الدستور.
- بالعودة إلى نقابة خبراء المحاسبة التي تترأسونها، كيف تقيّمون أداءها على مساحة الوطن؟
إن نقابة خبراء المحاسبة تأسست في العام 1994 بقانون رقم 364، ذلك أنه وقبل هذا التاريخ كانت المهنة عبارة عن جمعيّة، إنّما القانون نظّم هذه المهنة ووفّر حمايتها وتقدّمها، من خلال معايير الحماية التي وضعها والنصوص التي تشير إلى العمل على تنمية روح التعاون بين الأعضاء ورعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم المشروعة، بالإضافة إلى قيام النقابة بالأبحاث العلمية والمساهمة فيها وتحسين مبادئ وقواعد المحاسبة الفنية، كل ذلك إلى جانب إعداد وإقتراح مبادئ المحاسبة حسب المستويات العالمية بما فيها مقرّرات الإتحادات العربية والدولية، هذا وتستطيع النقابة إتخاذ إجراءات تأديبية بحق الأعضاء الخارجين عن آداب المهنة كما وتسعى لحلّ النزاعات بين أعضائها. وللنقابة، شروط إنتساب محددة مثل نيل شهادة جامعية في إدارة الأعمال أوعلوم المحاسبة أو الحصول على إمتياز فني TS في هذا المجال، كما ويتوّجب على الطامح لدخول النقابة إجتياز إمتحان في بعض المواد بعد تدريب أو تدرّج لمدّة 3 سنوات.
- كخبراء في مجال المحاسبة، ماذا تقولون عن التهرّب الضريبي، وهل ترون أن النظام الضريبي عادل؟
في الحقيقة يعتمد لبنان نظام الضرائب النوعية، بمعنى وضع ضريبة على كلّ نوع ايراد، في حين أنّه في غالبية دول العالم أصبحت الضرائب موّحدة لكافة المداخيل، وعادة ما تكون تصاعديّة. مع الإشارة إلى أن الضرائب النوعية تضيّع الأمور، بحيث تضيع الضريبة التصاعدية وتشتت التصاريح الأمر الذي يجعل دورنا بالملاحقة والمراقبة مهمّة صعبة حتى وصل بنا الأمر إلى وضع روزنامة ضريبية. لذلك المطلوب اليوم هو إقرار نظام ضريبي جديد ومنظّم، بحيث يكون هناك نظام خاص بالشركات وآخر بالأفراد، كما يجب التخفيف من الإعفاءات التي تطال بعض المؤسسات التعليمية والدينية والحزبية والطبيّة وغيرها، لأنّه في هذه الحال يصبح مجال التهرّب أكبر وأوسع. لا أقول بأنني ضدّ الإعفاءات إنّما يجب تنظيمها، بحيث تقدّم التصاريح من قبل كلّ الناس وكافة المؤسسات لتسهيل العمل الرقابي انطلاقاً من مبدأ «ما حدا أكبر من بلده».
- ماذا عن الهيكلية الإدارية للنقابة؟
مجلس النقابة يتألف من 10 أعضاء، مع الإشارة إلى غالبية الصلاحيات تبقى محصورة بيد النقيب. إنّما يوجد امينة عامة تدير النقابة مع عدد من الموظفين لجهة حسن سير الأعمال الإدارية، كما يوجد نائب نقيب وأمين سر وأمين خزينة و٦ أعضاء والتجديد للمجلس يتمّ كلّ سنتين عن طريق إنتخابات وبناءً على عرفٌ متبّع يقضي بأن يتمّ تغيير النقيب ومذهبه مداورة.
- هل من كلمة أخيرة؟
في النهاية نقول، الله يحمي هذا البلد ويساعد الصحافين حتى يقوموا بدورهم في هذه الظروف الدقيقة، وأتمنى أن يُصار إلى إعطاء كلّ ذي حق حقه وأن يمارس كلّ فردٍ في هذه الدولة دوره كما يجب حتى ننقذ الوطن.