منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الاول الماضي، وباستثناء قلة قليلة من المواقف الصادرة عن بعض الدول المعنية مباشرة بالوضع اللبناني، بدا واضحاً ان الخارج عموما والدول العربية في شكل خاص يقفان على مسافة مما يجري، ويحاذران اصدار البيانات المتصلة بالأمر. في منطق الامور، يبدو النأي الخارجي طبيعياً، ما دامت الثورة شأناً داخلياً بين الشعب والطاقم السياسي الحاكم. لكنّ لبنان الذي لطالما اعتاد الدعم والاحتضان الخارجيين في ازماته السياسية والاقتصادية، يتطلع في ازمته هذه الى اشارة من مكان ما توحي بالاتجاه الممكن ان تسلكه الامور، في ضوء بلوغ معركة الشعب- السلطة ذروتها وتمترس كل فريق في موقعه.
مصادر دبلوماسية غربية تؤكد لـ"المركزية" ان الخارج لم ولن يتدخل في لبنان، ما دامت الامور لم تخرج عن السيطرة وتحديدا في الشقين الموضوعين تحت العناية الدولية والمحددين بخط احمر يدركهما الجميع سلطة وشعباً ،الاستقرار الامني والنقدي. اما خلاف ذلك فإن الخارج يتابعه عن كثب ويراقب المشهد بكثير من الاهتمام من دون ان يقحم نفسه فيه. غير ان المصادر توضح ان تعاطي السلطة مع الشعب الثائر لا يوحي بأنها تراعي الواقع المستجد كما يلزم، خصوصا في طريقة ادارة الازمة وتحديداً لجهة المسار الحكومي تكليفاً وتأليفاً، حيث يبدو بعد خمسة ايام على استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري ان ثمة تباطؤاً في المسار الدستوري خلافاً لمقتضيات المرحلة ودقتها. وبما ان الحكومة يفترض ان تكون لخدمة الشعب لا السلطة، فالأولى ان تؤخذ مطالب هذا الشعب في الاعتبار، كما مراعاة واقع لبنان تجاه المجتمع الدولي والدول المانحة الراغبة في مساعدته، بدءا بالنأي بالنفس عن صراعات الخارج عمليا وليس فقط خطياً، على غرار ما حصل في حكومتي "استعادة الثقة" و"الى العمل" حيث امعنت اطراف حكومية في خرق بند النأي، من دون ان يردعها المسؤولون في السلطة، لدرجة ان لبنان بات في المعادلة الدولية محسوباً على محور اقليمي يتعرض للعقوبات الدولية، وهو اذا ما استكمل هذا المسار لن يكون بعيدا منها.
وتعتبر المصادر ان المسؤولين اذا ارادوا عن حق انقاذ لبنان يفترض بهم المسارعة الى التزام تعهداتهم تجاه الدول المانحة التي حددت معايير تلامس الشروط قبيل انطلاق مؤتمرات الدعم وردت في بيان لجنة الدعم الدولية لمساعدة لبنان، بناء على طلب شخصي من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ركزت على اعتماد لبنان قولا وفعلا سياسة النأي بالنفس والتقيد باعلان بعبدا لتحييد لبنان عن صراعات المحاور ووضع استراتيجية دفاعية لحصرية السلاح بيد الشرعية وحدها، الامر الذي وعد به الرئيس ميشال عون قبل الانتخابات النيابية الا انه لم يُترجمه بحجة المتغيرات الاقليمية.
وتذكر بكمّ النصائح والتحذيرات التي بلغت آذان المسؤولين اللبنانيين من مغبة بلوغ الاوضاع ما بلغته من دون ان يقدموا على خطوات تفرمل الانهيار، من الدعوات المتكررة للاصلاح مع مؤتمر سيدر الى مواقف موفد سيدر السفير بيار دوكان التي وضعت الاصبع على الجرح، الى بيانات مؤسسات الائتمان الدولية وتصنيفاتها السلبية، بيد ان السلطة الحاكمة بدت بممارساتها غائبة عن السمع، وعوض المسارعة الى الاصلاح سارعت الى التلهي بالخلافات السياسية من دون طائل، ما زاد الوضع سوءا وتعقيدا وصولا الى انقلاب الشعب عليها. وتؤكد المصادر الدبلوماسية ان هذه السلطة باتت امام خيار وحيد لانقاذ نفسها والبلاد، الاسراع في تشكيل حكومة مستقلة تضم شخصيات حيادية وفق مواصفات واضحة بعيدا من المحاصصة استنادا الى معايير تتجاوب مع الحراك الشعبي من جهة والتزاماتها تجاه دول الدعم من جهة اخرى، ليحصل لبنان على المساعدات. والا خلاف ذلك فإن البلاد متجهة الى مجهول قد لا تحمد عقباه.
المصدر: وكالة الأنباء المركزية