التبويبات الأساسية

إنّها الفرصة المؤاتية لبناء الجمهورية الجديدة، بهذ الكلمات يختصر هنري صفير المشهد في لبنان، فهذا الرجل الذي لم يساوم في يومٍ من الأيّام على قناعاته وأفكاره الحرةّ والجريئة أيقن بأنّ الساحات ستنتفض لكرامتها وحريّتها بعدما ضاقت ذرعاً بهذا الاستلشاء والاستخفاف بالتعاطي مع مشاكلها وواقعها الإقتصادي والإجتماعي المزري.
فهذا المهندس المخضرم، يعلم تماماً بأن المبنى المتين يكمن بالأسس الصحيحة والهيكليّة الصالحة، تماماً كالوطن السليم! فطالما ان دستور البلاد مرّكب بصورة غير طبيعيّة فالاعوجاج في السلطة أمرٌ لا بدّ منه. صفير في حديث لموقعنا يقول:" أنا واكبت الواقع منذ اتفاق الطائف وكنت من المعترضين عليه، وأذكر بأنّ الرئيس الراحل الياس الهراوي كان يقول لي بأنّها فترة عبور، وللحقيقة لم أؤمن بأنّ ذاك الاتفاق يستطيع تحقيق المطلوب على اعتبار ان الصلاحيّات التنفيذيّة تشتت وتوّزعت على عدّة جهات من رئيس الجمهوريّة الى حاكم مصرف لبنان مروراً برئيس الحكومة، هذا من دون ان ننسى الحيثية الشعبيّة والمذهبيّة التي يتمتع بها بعض الزعماء والتي يمكن ان تعرّض البلد لشللٍ تام في أي لحظة، لذلك أنا كنت ولا زلت من الداعين الى قيام نظام جمهوري واضح ومحددّ الصلاحيّات."
وعن الإنتفاضة الشعبيّة التي امتدت من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، يقول صفير:" لقد وجد الشعب نفسه امام مأزق معيشي حيث باتت كرامته مهدّدة في كلّ يوم، وكلّنا يعلم بأنّه لا وجود للبنان من دون حريّة، والحريّة هنا لا تعني انعدام الأمن. فلبنان وجد لكي يكون واحة حياة تليق بالإنسان، هكذا كان، هكذا هو وهكذا سيبقى. "
ويتابع:" للحقيقة أنا تأمّلت خيراً بهذه الانتفاضة لأنّها تخطّت البعد الطائفي قبل ان يعود ليطلّ برأسه من جديد في الأيّام الأخيرة، فقد برهنت الظروف أنّه من الممكن إلغاء الطائفية برمّتها وليس فقط الطائفيّة السياسيّة، إنّما ذلك يتطلّب خطوة جريئة والوضع الآن يسمح بهذا الأمر، ويسمح أيضاً بشطب الطائفة عن الهويّة، علماً بأن إلغاء الطائفية السياسيّة يسمح بالتخطيط لمشروعٍ جذري ولإنشاء مجلسٍ تأسيسي بهدف تغيير الدستور والنظام بما يؤدّي الى ولادة الجمهوريّة الجديدة."
ويضيف صفير: "المطلوب اليوم أوّلاً هو خلق المواطنة اللبنانيّة والهوية اللبنانيّة"، متسائلاً كيف يمكن خلق هذه الهوية الواحدة بظلّ وجود أكثر من 100 كتاب تاريخ، وكلّ واحد يختلف في تفاصيله عن الآخر؟
أما عن المرحلة المقبلة، فيرى صفير بأن الحراك في الشارع لم يصل الى نقطة اللارجوع، حيث قال:" استقال الحريري، ومن دون جهدٍ كبير تمّ فتح الطرق باعتبار إنها البداية الصحيحة، غير أن المنتفضين اعطوا انطباعاً وكأنّ البلد عاد الى طبيعته، الأمر الذي استفزّ الشارع السنّي، وبرأيي أنّه كان من الممكن استيعاب هذا الاستفزاز لو أنّ رئيس الجمهورية عمد فوراً الى الطلب من الرئيس المستقيل تصريف الأعمال ودعا الى إجراء الاستشارات اللازمة".
هذا ويرى صفير بأنّه يتوّجب على السلطة الإستجابة لمطالب الناس في عمليّة تشكيل الحكومة العتيدة، مشدداً على وجود مغالطات كبيرة لدى الشارع في تعبيره عن حكومة التكنوقراط، حيث يقول:" هل مجيء طبيب الى وزارة الصحة يعني نجاح الوزارة؟"، الجواب هو طبعاً لا، لأنّ الأمر يستلزم إدارة جيّدة. من هنا لا يمكن اعتبار الإختصاص وحده معياراً للنجاح.
من هنا، يضيف الأستاذ هنري صفير يجب الاتجاه نحو حكومة مستقلة رشيقة مؤلفة من وزراء ذات سمعة نظيفة وكفاءة عالية يتمتّعون بفنّ السياسة، فحكومة كهذه بمقدورها نيل ثقة الناس والشروع في تنفيذ إصلاحات جذريّة لإنقاذ الوطن.
وحول الاتهامات بوجود تمويل خارجي للانتفاضة، فيرى بأنّ "جواب المسؤولين في السلطة يجب ان يراعي مطالب الناس مباشرة من دون الأخذ في الاعتبار التدخلات الخارجية التي من الممكن ان تكون قد دخلت على خط التأثير في بعض المناطق، فالمسؤول الجدّي يستجيب لمطالب شعبه المحقة"، مضيفاً بأن "النظام اللاطائفي الذي يطالب به الناس، يترجم عمليّاً بإقرار قانون مدني موّحد للأحوال الشخصية، وفرص عمل التي يطالبون بها تتطلّب فقط حسن إدارة وابتكار المستقبل، فشعب لبنان قادر على انتاج المال وتحقيق الإزدهار المنشود كما هو ثابتٌ في التاريخ، ولكن اذا فشل الحكم في ابتكار المستقبل فعندها سنكون امام مواجهة جديدة، ذلك أن اللبنانيين واجهوا شحّاً في الأموال منذ أوائل التسعينات ولغاية اليوم، بفضل السياسات الفاشلة التي جعلت المصارف تحقق أرباحاً طائلة فيما فرص الاستثمار باتت شبه معدومة.
في النهاية أمل صفير في أن يتفهّم أهل السلطة مطالب الشعب ويستمعوا للرسالة الحقيقة الذي أطلقها الناس، مشيراً الى ان من لا يستطيع او لا يجيد فهم تلك الرسالة عليه بالاستقالة فوراً.

صورة editor14

editor14