حسين فشيخ. صار الإسم وحده يروي الحكاية. لا داعي لأن نعيد للقارىء كل التفاصيل التي بات يعرفها جيداً عن شاب لبناني قضى في أفريقيا وهو ينقذ آخرين من الغرق. ولذلك سنقول إن حسين فشيخ بطل في حياته قبل موته. مقارعته اليأس المحتوم على أبناء جيله يجعل منه قوياً، إنه واحد من أولئك الذين يذكروننا بأن شكلاً ما من البطولة لا يزال موجوداً، أي القدرة على الأمل بصنع حياة لائقة في بلد تضيق فيه فسحة التنفس. الهجرة من القتل اليومي إلى "غربة" يبدو أنها أحياناً تكون أكثر رأفة وحباً وعطاءً للذاهب إليها، من وطن المغترب نفسه.
حسين واحد ممن حصّلوا تعليمهم، ولم يجدوا مكاناً لهم في سوق عمل لبناني تنهشه المحسوبيات والظلم، فضلاً عن ضيقه واضطرابه أساساً. هكذا صارت أفريقيا ملجأ لمن يسعى لاستثمار سنوات العمر بحثاً عن حياة كريمة كما وصفها هو نفسه في بوست له على الفيسبوك.
حسين فشيخ واحد ممن صمموا على ألا ينغمسوا في الفساد ليحصلوا قوت يومهم، ولا أن يهبوا أرواحهم لليأس فيصيروا عبئاً على أهاليهم، ولا أن يوكلوا أنفسهم للشيطان فيقتلوا ويسرقوا ويتعاطوا المخدرات فيكون مصيرهم السجن.
حسين فعل ما يفعله كل طامح ولو بالقليل. حسين صاحب حلم بسيط، ولذلك رمى بنفسه في أرض لا يعرفها ولم تطأها قدمه من قبل قط. أولى بطولات حسين كانت هنا. في المغامرة سعياً وراء حلم لن يقبل بخسارته ولو كان مجرد حلم متواضع.
يذكرنا موت حسين فشيخ اليوم، بأننا دائماً أمام مصائر مجهولة. وأحياناً مصائر نكون شبه متيقنين من شكلها، لكننا رغم ذلك نسير إليها مدفوعين بالاتكال على الله. إننا نتكلم تحديداً عن تلك البلاد التي تشهد خضات أمنية، وتتفشى فيها الامراض، لكن بعضنا رغم ذلك يفضل ان يحصل فيها على لقمة العيش، بدلاً من أن يركن إلى التدخين عند ناصية الشارع أو في المقاهي.
حسين فشيخ يقول لأبناء جيله ولمن سيأتون من بعده، إنه لا بدّ من الأمل، وأن الموت سعياً لإنقاذ حيوات أخرى هي الحياة بعينها، وأن بلادنا التي صارت وكأنها بلاد غاب، لم تقتل حسّ المبادرة والاحسان والتضحية، ولو كان هذا في بلاد بعيدة.
حسين يقول لنا أيضاً إنه شهيد. شهيد وطنه الذي قذفه بعيداً واحتضنه نهر كوناكري في غينيا.
وتذكرنا ابتسامته بأن بعض المسؤولين عن غربته وغربتنا، سواء داخل لبنان وخارجه، لن يوفروا الفرصة للتباكي على الروح الشابة التي غادرت الجسد لتنقذ أرواحاً أخرى، فيتغنوا بحميّة اللبناني وحسن أخلاقه، بينما هم لا يلتفتون إلى قبح أخلاقهم. ذلك القبح الذي ألقى بحسين بعيداً من حضن أمه في حياته، والذي عندما عاد إليه رجع جسداً هامداً.
المصدر: لبنان 24