ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس اختتام مؤتمر "كاريتاس" وإطلاق حملة التضامن والمشاركة السنوية لصوم 2019 على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي "كابيلا القيامة"، عاونه فيه المطارنة: يوسف سويف، ميشال عون وجورج شيحان، رئيس كاريتاس لبنان الأب بول كرم، بمشاركة رئيس كاريتاس الدولية الكاردينال لويس أنطونيو تاغليه، السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتاري، القائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور ايفان سانتوس، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، إضافة إلى الأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات أعضاء مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان والاساقفة والكهنة المشاركين في مؤتمر كاريتاس بمختلف دول العالم.
حضر القداس النائبان شامل روكز وماريو عون، النائب شوقي الدكاش ممثلا بتانيا دكاش، النائب فريد الخازن ممثلا بمنى الخازن، وفاعليات سياسية وعسكرية وديبلوماسية ونقابية ومؤمنين، اضافة الى عائلة كاريتاس لبنان من مختلف المناطق.
كرم
في بداية القداس، ألقى كرم كلمة قال فيها: "إن القليل الذي سيعطى كفيل بصنع الكثير في مجتمعنا اللبناني، الذي حوالى 40 في المئة من شعبه أصبح يرزح تحت مستوى خط الفقر، أضف اليه حوالى 38 في المئة من خيرة أجياله، خصوصا الشبابية منها من دون عمل وتعيش البطالة. رغم كل ذلك، لن تتوانى أو تتراجع رابطة كاريتاس لبنان عن القيام برسالتها المقدسة، وهي ترجمة واقعية للتعليم الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية: في التنشئة والتواصل، وأخذ المبادرات التنموية، واستنباط الحلول للعديد من المشاكل، وكتابة المشاريع، ودق الأبواب مع شرف مد اليد لطلب المساعدة، والدفاع عن حقوق المهمشين والمتروكين، ومحاربة الاتجار بالبشر، وحماية الأكثر ضعفا، ومؤاساة المسنين، وتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعليمية، وغيرها من مسائل تطال صون كرامة الانسان والشخص البشري".
أضاف: "يقوم بما تقم أعلاه خلية عمل عائلية تتعب وتجتهد لزرع البسمة ووضع لمسة الكنيسة الحنونة تجاه إنسانها المتألم. فمع تقديرنا لجهود سيادة المطران المشرف باسمكم الشخصي سيدنا ميشال عون السامي الاحترام، ورغم ظروف شعبنا الصعبة والوضع الاقتصادي الحرج، نأمل المواكبة المطلوبة والمنتظرة في فترة الصوم المبارك إبتداء من الغد ولغاية أواخر نيسان، وسيرى الجميع شبيبة ومندوبي كاريتاس منتشرين على الطرق وفي الرعايا وكل مكان، حاملين دعاء الخير والسلام ليصبا في صندوق المحبة والاخوة والصداقة".
الراعي
وبعد الانجيل المقدس، ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان "مات المسكين لعازر فحملته الملائكة الى حضن ابراهيم" (لو 22:16)"، وقال: "تحمل لعازر فقره وحرمانه وجراحاته بصبر وسكينة ورجاء. "فلما مات حملته الملائكة إلى حضن ابراهيم" (لو 22:16) لينعم بالخلاص الأبدي. فتتم فيه كلمة القديس بولس الرسول: "بالرجاء خلصنا" (روم 24:8). أما الغني الذي حبس قلبه ويد المحبة والمساعدة عنه مع اللامبالاة، "فلما مات قبر، وكان مصيره الهلاك والعذاب في نار اللهيب" (راجع لو16: 22-23). وهكذا بات لعازر، بحسب كلمة القديس بولس، علامة "الخليقة التي تنتظر بفارغ الصبر تجلي أبناء الله". (روم 19:8). هذه الكلمة اختارها قداسة البابا فرنسيس موضوعا لرسالته بمناسبة الصوم الكبير هذه السنة. أما أمثولة الإنجيل فهي أن خلاصنا منوط بالمحبة الاجتماعية التي بها نحنو على الفقير والجائع والمريض والمحتاج والغريب والسجين، ماديا وروحيا ومعنويا، وأننا على هذه المحبة سندان في سماء الحياة".
أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية التي نطلق بها الحملة السنوية التضامنية لكاريتاس - لبنان التي تدوم طيلة زمن الصوم الكبير. ويأتي هذا الاحتفال وهذه الانطلاقة في ختام المؤتمر الذي دعت إليه ونظمته كاريتاس الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا في دار سيدة الجبل، وبدأ صباح الأربعاء الماضي، بموضوع "خدمة المحبة في إطار بيئة تعددية". إني أحيي رئيسها ومنسقها ومعاونيهما، جميع الذين شاركوا فيه من كرادلة وبطاركة وأساقفة ومسؤولين عن كاريتاس دوليا وإقليميا ووطنيا. وأحيي بنوع خاص المشاركين معنا في هذه الذبيحة الإلهية".
وتابع: "إن حملة كاريتاس التضامنية تتيح لنا الفرصة لنمارس المحبة الاجتماعية، المعروفة بالصدقة التي تشكل مع الصيام والصلاة عناصر الصوم الكبير الثلاثة، بحسب تعليم الكنيسة. وقد ذكرنا بها البابا فرنسيس في رسالته، وبمعناها اللاهوتي والروحي العميق كعلامة للتوبة، وكتعبير عن عيش السر الفصحي، من حيث هو سير نحو حياة جديدة على الصعيد الشخصي والعائلي والاجتماعي (راجع الفقرة 3)".
وأردف: "إني مذ الآن أحيي معكم شاكرا المتطوعين من شباب وشابات كاريتاس السبع مئة، الذين سيقومون بهذه الحملة على أبواب الكنائس وفي المؤسسات التربوية والاستشفائية والاجتماعية، الكنسية والمدنية، وعلى الطرقات العامة. إن ما يجود به كل واحد وواحدة منا، من سخاء القلب واليد، ولو كان ضئيلا، يشكل قيمة كبيرة في مجموعة. هذا هو معنى التضامن والمشاركة في حملة كاريتاس، فرغيف الخبز الذي نأكله هو مجموعة حبات قمح جمعت وعجنت وخبزت، وهذا هو سر القربان الذي يطعم ملايين من المؤمنين والمؤمنات".
وقال: "إن المساهمة في حملة كاريتاس - لبنان تدعم الخدمات المتنوعة التي تقدمها على كامل الأراضي اللبنانية، نذكر منها: الخدمات الصحية في المراكز والمستوصفات والعيادات الجوالة، والخدمات الاجتماعية وفقا للحاجات، لا سيما العمر الثالث وموائد الصداقة على مدى الأسبوع، والخدمات التربوية والتعليمية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وللتعليم والتدريب الفني؛ والخدمات الانمائية، الزراعية والصناعية والسياحية، وخدمات التصنيع الغذائي الذي يدعم المزارعين ويوفر فرص عمل للنساء، وخدمات القروض الصغيرة للنهوض بمهن خاصة هي مورد عيش لأصحابها. كل هذه الخدمات هي ثمرة المشاركة والتضامن من الداخل والخارج، ولا أحد يستطيع القيام بها أو ببعضها لوحده".
وسأل: "هل تستطيع كاريتاس - لبنان، وسواها من المؤسسات غير الحكومية أن تلبي حاجات ثلث الشعب اللبناني الذي هو تحت مستوى الفقر، والأربعين من المئة من الشعب الواقع في حالة البطالة؟ فإننا نناشد الحكومة الإسراع في النهوض الاقتصادي، والحد من هدر مال الدولة، وضبط الفساد المستشري في الإدارات العامة. ولتصغِ إلى صرخة التجار وتنظر بروح المسؤولية إلى واقع القطاع التجاري الذي يشهد أسوأ حالة من الركود: فالمحلات تغلق أبوابها تباعا، والإفلاس يصيب المؤسسات والشركات، وما يستتبع ذلك من صرف للأجراء والموظفين والتسبب بأزمة معيشية حادة، فضلا عن افتقاد الأسواق للكتلة النقدية، وتهريب السلع عبر الحدود، وثقل النازحين السوريين الباهظ على اليد العاملة اللبنانية، وسواها من العوامل التي أوصلت الحالة الاقتصادية إلى الأزمة الخانقة".
وقال: "في تعليم الرب يسوع في الإنجيل، لم يهلك ذاك الغني لأنه غني. فالغنى عطية من جودة الله، بل لأنه لم يمارس المحبة الإجتماعية، فأمسك يده وقلبه عن مساعدة ذاك المسكين لعازر، بل احتفظ بعطية الله لنفسه ولملذاته. تعلم الكنيسة أن الملكية الخاصة، أيا يكن نوعها، لا تتصف بالمطلق، بل هي مطبوعة برهن اجتماعي يوجب على صاحبها أن يشرك بها المحتاج، لأن له هو أيضا حق الانتفاع بها. فخيرات الأرض معدة من الله لجميع الناس (الكنيسة في عالم اليوم، 69)".
أضاف: "ولعازر المسكين لم ينل الخلاص الأبدي لأنه فقير معدم، بل لأنه بالرجاء انتظر رحمة الله، وبالصبر تحمل واقعه المر. لقد "خلص بالرجاء" (روم 24:8)، وسار الطريق الفصحي حتى تجلت فيه بنوة الله (راجع 19:8). لا يريد الله أحدا أن يعيش في حالة الفقر والعوز، لأن منه كل عطية صالحة، ولذلك يضع الفقير والمحتاج في عهدة القادرين ولو نسبيا، وفي عهدة الجماعة، ولا سيما الكنيسة المطلوبة منها المحبة التفضيلية للفقراء، ويجب أن يكون هؤلاء كنوزها الحقيقيين. في المقابل، يريدنا الله أن نكون جميعنا "فقراء بالروح" متجردين ومحررين من خيرات الدنيا، حتى إذا توافرت بين أيدينا، ساعدنا بسخاء وفرح من هم محرومون منها، سواء ماديا أم ثقافيا أم روحيا أم معنويا".
وختم: "باسم المحبة التي أحبنا بها الرب يسوع، نفتتح حملة التضامن والمساهمة لرابطة كاريتاس - لبنان طيلة زمن الصوم الكبير الذي يبدأ بعد يومين. والله، الغني بالعطايا، يكافىء من جودته كل ممارسي خدمة المحبة الاجتماعية. وليتمجد ويسبح في كل ذلك الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".